مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَآءٗۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلۡأَرۡحَامَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيۡكُمۡ رَقِيبٗا} (1)

مقدمة السورة:

سورة النساء نزلت بالمدينة آياتها مائة وست وسبعون آية

{ يَا أَيُّهَا الناس } يا بني آدم { اتقوا رَبَّكُمُ الذى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحدة } فرعكم من أصل واحد وهو نفس آدم أبيكم { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } معطوف على محذوف كأنه قيل : من نفس واحدة أنشأها وخلق منها زوجها ، والمعنى شعبكم من نفس واحدة هذه صفتها وهي أنه أنشأها من تراب وخلق منها زوجها حواء من ضلع من أضلاعه { وَبَثَّ مِنْهُمَا } ونشر من آدم وحواء { رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء } كثيرة أي وبث منهما نوعي جنس الإنس وهما الذكور والإناث ، فوصفها بصفة هي بيان وتفصيل لكيفية خلقهم منها ، أو على خلقكم والخطاب في «يا أيها الناس » للذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمعنى خلقكم من نفس آدم وخلق منها أمكم حواء وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء غيركم من الأمم الفائتة للحصر . فإن قلت : الذي تقتضيه جزالة النظم أن يجاء عقيب الأمر بالتقوى بما يعدو إليها ، فكيف كان خلقه إياهم من نفس واحدة على التفصيل الذي ذكره داعياً إليها ؟ قلت : لأن ذلك مما يدل على القدرة العظيمة ، ومن قدر على نحوه كان قادراً على كل شيء ، ومن المقدورات عقاب الكفار والفجار فالنظر فيه يؤدي إلى أن يتقي القادر عليه ويخشى عقابه ، ولأنه يدل على النعمة السابغة عليهم فحقهم أن يتقوه في كفرانها . قال عليه السلام عند نزول الآية " خلقت المرأة من الرجل فهمّها في الرجل وخلق الرجل من التراب فهمّه في التراب " { واتقوا الله الذى تَسَاءلُونَ بِهِ } والأصل «تتساءلون » فأدغمت التاء في السين بعد إبدالها سيناً لقرب التاء من السين للهمس . «تساءلون به » بالتخفيف : كوفي على حذف التاء الثانية استثقالاً لاجتماع التاءين أي يسأل بعضكم بعضاً بالله وبالرحم فيقول بالله وبالرحم : افعل كذا على سبيل الاستعطاف { والأرحام } بالنصب على أنه معطوف على اسم الله تعالى أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها ، أو على موضع الجار والمجرور كقولك «مررت بزيد وعمراً » ، وبالجر : حمزة على عطف الظاهر على الضمير وهو ضعيف ، لأن الضمير المتصل كاسمه متصل والجار والمجرور كشيء واحد فأشبه العطف على بعض الكلمة { إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } حافظاً أو عالماً .