مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ ثَوَابٗا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ} (195)

{ فاستجاب لَهُمْ رَبُّهُمْ } أي أجاب يقال استجاب له واستجابه { أَنّى } بأني { لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ } «منكم » صفة ل عامل { مّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى } بيان ل «عامل » { بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ } الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر كلكم بنو آدم ، أو بعضكم من بعض في النصرة والدين ، وهذه جملة معترضة بينت بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد الله به عباده العاملين . عن جعفر الصادق رضي الله عنه : من حزبه أمر فقال خمس مرات : «ربنا » ، أنجاه الله مما يخاف وأعطاه ما أراد وقرأ الآيات . { فالذين هاجروا } مبتدأ وهو تفصيل لعمل العامل منهم على سبيل التعظيم له كأنه قال : فالذين عملوا هذه الأعمال السنية الفائقة وهي المهاجرة عن أوطانهم فارين إلى الله بدينهم إلى حيث يأمنون عليه ، فالهجرة كائنة في آخر الزمان كما كانت في أول الإسلام { وَأُخْرِجُواْ مِن ديارهم } التي ولدوا فيها ونشأوا { وَأُوذُواْ فِى سَبِيلِى } بالشتم والضرب ونهب المال يريد سبيل الدين { وقاتلوا وَقُتِلُواْ } وغزوا المشركين واستشهدوا ، «وقتّلوا » : مكي وشامي ، «وقتلوا وقاتلوا » على التقديم والتأخير : حمزة وعلي .

وفيه دليل على أن الواو لا توجب الترتيب والخبر . { لاكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سيئاتهم وَلاَدْخِلَنَّهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار } وهو جواب قسم محذوف { ثَوَاباً } في موضع المصدر المؤكد يعني إثابة أو تثويباً { مِنْ عِندِ الله } لأن قوله «لأكفرن عنهم ولأدخلنهم » في معنى لأثيبنهم { والله عِندَهُ حُسْنُ الثواب } أي يختص به ولا يقدر عليه غيره .