مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِي ٱلۡيَتَٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ} (3)

{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ } أي لا تعدلوا . أقسط أي عدل { فِى اليتامى } يقال للإناث اليتامى كما يقال للذكور وهو جمع يتيمة ويتيم ، وأما أيتام فجمع يتيم لا غير { فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ } ما حل لكم { مّنَ النساء } لأن منهن ماحرم الله كاللاتي في آية التحريم . وقيل : «ما » ذهاباً إلى الصفة لأن ما يجيء في صفات من يعقل فكأنه قيل : الطيبات من النساء ، ولأن الإناث من العقلاء يجرين مجرى غير العقلاء ومنه قوله تعالى { وَمَا مَلَكَتْ أيمانكم } قيل : كانوا لا يتحرجون من الزنا ويتحرجون من ولاية اليتامى فقيل : إن خفتم الجور في حق اليتامى فخافوا الزنا فانكحوا ما حل لكم من النساء ولا تحوموا حول المحرمات ، أو كانوا يتحرجون من الولاية في أموال اليتامى ولا يتحرجون من الاستكثار من النساء مع أن الجور يقع بينهن إذا كثرن فكأنه قيل : إذا تحرجتم من هذا فتحرجوا من ذلك . وقيل : وإن خفتم أن لا تقسطوا في نكاح اليتامى فانكحوا من البالغات . يقال طابت الثمرة أي أدركت { مثنى وثلاث وَرُبَاعَ } نكرات . وإنما منعت الصرف للعدل والوصف ، وعليه دل كلام سيبويه ومحلهن النصب على الحال «من النساء » أو «مما طاب » تقديره : فانكحوا الطيبات لكم معدودات هذا العدد ثنتين ثنتين وثلاثاً وثلاثاً وأربعاً أربعاً . فإن قلت : الذي أطلق للناكح في الجمع أن يجمع بين اثنتين أو ثلاث أو أربع ، فما معنى التكرير في مثنى وثلاث ورباع ؟ قلت : الخطاب للجميع فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الذي أطلق له كما تقول للجماعة : اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم درهمين درهمين ، وثلاثة ثلاثة ، وأربعة أربعة ، ولو أفردت لم يكن له معنى .

وجيء بالواو لتدل على تجويز الجمع بين الفرق ، ولو جيء ب «أو » مكانها لذهب معنى التجويز { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ } بين هذه الأعداد { فواحدة } فالزموا أو فاختاروا واحدة { أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانكم } سوّى في اليسر بين الحرة الواحدة وبين الإماء من غير حصر { ذلك } إشارة إلى اختيار الواحدة والتسري { أدنى أَلاَّ تَعُولُواْ } أقرب من أن لا تميلوا ولا تجوروا ، يقال عال الميزان عولاً إذا مال ، وعال الحاكم في حكمه إذا جار . ويحكى عن الشافعي رحمه الله أنه فسر « أن لا تعولوا » أن لا تكثر عيالكم واعترضوا عليه بأنه يقال : أعال يعيل إذا كثر عياله . وأجيب بأن يجعل من قولك «عال الرجل عياله يعولهم » كقولك «مانهم يمونهم » إذا أنفق عليهم لأن من كثر عياله لزمه أن يعولهم ، وفي ذلك ما يصعب عليه المحافظة على حدود الورع وكسب الحلال . وكلام مثله من أعلام العلم حقيق بالحمل على السداد وأن لا يظن به تحريف تعيلوا إلى تعولوا كأنه سلك في تفسير هذه الكلمة طريقة الكنايات