مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفۡتَرَىٰٓ إِثۡمًا عَظِيمًا} (48)

{ إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } إن مات عليه { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ } أي ما دون الشرك وإن كان كبيرة مع عدم التوبة ، والحاصل أن الشرك مغفور عنه بالتوبة ، وأن وعد غفران ما دونه لمن لم يتب أي لا يغفر لمن يشرك وهو مشرك ويغفر لمن يذنب وهو مذنب . قال النبي عليه السلام « من لقي الله تعالى لا يشرك به شيئاً دخل الجنة ولم تضره خطيئته » وتقييده بقوله { لِمَن يَشَاءُ } لا يخرجه عن عمومه كقوله : { الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء } [ الشورى : 19 ] . قال علي رضي الله عنه : ما في القرآن آية أحب إليّ من هذه الآية . وحمل المعتزلة على التائب باطل لأن الكفر مغفور عنه بالتوبة لقوله تعالى : { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [ الأنفال : 38 ] . فما دونه أولى من أن يغفر بالتوبة . والآية سيقت لبيان التفرقة بينهما وذا فيما ذكرنا { وَمَن يُشْرِكْ بالله فَقَدِ افترى إِثْماً عَظِيماً } كذب كذباً عظيماً استحق به عذاباً أليماً .

ونزل فيمن زكى نفسه من اليهود والنصارى حيث قالوا : { نَحْنُ أَبْنَاء الله وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] . { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نصارى } [ البقرة : 111 ] .