{ مّنَ الذين هَادُواْ } بيان للذين أوتوا نصيباً من الكتاب ، أو بيان لأعدائكم ، وما بينهما اعتراض ، أن يتعلق بقوله «نصيراً » أي ينصركم من الذين هادوا كقوله { ونصرناه مِنَ القوم الذين كَذَّبُواْ بئاياتنا } [ الأنبياء : 77 ] أو يتعلق بمحذوف تقديره : من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم ، فقوم مبتدأ و«يحرفون » صفة له ، والخبر « من الذين هادوا »مقدم عليه ، وحذف الموصوف وهو قوم وأقيم صفته ، وهو { يُحَرِّفُونَ الكلم عَن مواضعه } يميلونه عنها ويزيلونه لأنهم إذا بدلوه ووضعوا مكانه كلماً غيره فقد أمالوه عن مواضعه في التوراة التي وضعه الله تعالى فيها وأزالوه عنها مقامه وذلك نحو تحريفهم «أسمر ربعة » عن موضعه في التوراة بوضعهم «آدم طوال » مكانه . ثم ذكر هنا «عن مواضعه » وفي المائدة { مِن بَعْدِ مواضعه } [ المائدة : 41 ] فمعنى «عن مواضعه » على ما بينا من إزالته عن مواضعه التي أوجبت حكمة الله وضعه فيها بما اقتضت شهواتهم من إبدال غيره مكانه ، ومعنى { مِن بَعْدِ مواضعه } أنه كانت له مواضع هو جدير بأن يكون فيها ، فحين حرفوه تركوه كالغريب الذي لا موضع له بعد مواضعه ومقاره والمعنيان متقاربان { وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا } قولك { وَعَصَيْنَا } أمرك قيل أسرّوا به { واسمع } قولنا { غَيْرَ مُسْمَعٍ } حال من المخاطب أي اسمع وأنت غير مسمع وهو قول ذو وجهين يحتمل الذم أي اسمع منا مدعواً عليك بلا سمعت ، لأنه لو أجيبت دعوتهم عليه لم يسمع شيئاً فكان أصم غير مسمع ، قالوا ذلك اتكالاً على أن قولهم «لا سمعت » دعوة مستجابة ، أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعوه إليه ومعناه غير مسمع جواباً يوافقك فكأنك لم تسمع شيئاً ، أو إسمع غير مسمع كلاماً ترضاه فسمعك عنه ناب . ويحتمل المدح أي اسمع غير مسمع مكروهاً من قولك «أسمع فلان فلاناً » إذا سبه . وكذلك قوله { وراعنا } يحتمل راعنا نكلمك أي ارقبنا وانتظرنا ، ويحتمل شبه كلمة عبرانية أو سريانية كانوا يتسابون بها وهي «راعينا » فكانوا سخرية بالدين وهزؤوا برسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمونه بكلام محتمل ينوون به الشتيمة والإهانة ويظهرون به التوقير والإكرام { لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ } فتلا بها وتحريفاً أي يفتلون بألسنتهم الحق إلى الباطل حيث يضعون «راعنا » موضع «انظرنا » و«غير مسمع » موضع «لا أسمعت مكروهاً » ، أو يفتلون بألسنتهم ما يضمرونه من الشتم إلى ما يظهرونه من التوقير نفاقاً { وَطَعْناً فِي الدين } هو قولهم : «لو كان نبياً حقاً لأخبر بما نعتقد فيه » { وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } ولم يقولوا وعصينا { واسمع } ولم يلحقوا به غير مسمع { وانظرنا } مكان «راعنا » { لَكَانَ } قولهم ذاك { خَيْراً لَّهُمْ } عند الله { وَأَقْوَمَ } وأعدل وأسد { وَلَكِن لَّعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ } طردهم وأبعدهم عن رحمته بسبب اختيارهم الكفر { فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } منهم قد آمنوا كعبد الله بن سلام وأصحابه ، أو إلا إيماناً قليلاً ضعيفاً لا يعبأ به وهو إيمانهم بمن خلقهم مع كفرهم بغيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.