بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفۡتَرَىٰٓ إِثۡمًا عَظِيمًا} (48)

قوله تعالى : { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ } أي دون الشرك { لِمَن يَشَاء } يعني لمن مات موحداً نزلت الآية في شأن وحشي قاتل حمزة ، وذلك أن الناس لما التقوا يوم أحد وقد جعل لوحشي جزاء إن قتل حمزة فقتله ، لم يوف له ، فلما قدم مكة ندم على صنعه الذي صنع هو وأصحابه معه ، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً إنا قد ندمنا على ما صنعنا ، وإنه ليس يمنعنا من الدخول معك إلا أنا سمعناك تقول : إذ كنت عندنا بمكة { والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها أخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ آثاما } [ سورة الفرقان : 68 ] إلى قوله { يضاعف لَهُ العذاب يَوْمَ القيامة وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً } [ سورة الفرقان : 69 ] وقد دعونا مع الله إلهاً آخر ، وقتلنا النفس ، وزنينا ، فلولا هذه الآيات لاتبعناك ، فنزل { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالحا فأولئك يَدْخُلُونَ الجنة وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } [ سورة مريم : 60 ] فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآيات إلى وحشي وأصحابه ، فلما قرؤوا كتبوا إليه أن هذا شرط شديد ، فنخاف ألا نعمل عملاً صالحاً فلا نكون من أهل هذه الآية . فنزل { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } فبعث إليهم فقرؤوها ، فبعثوا إليه فقالوا : إن في هذه الآية شرطاً أيضاً نخاف ألا نكون من أهل مشيئته ، فنزل قوله

{ قُلْ يا عبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم } [ سورة الزمر : 53 ] فبعثها إليهم ، فلما قرؤوها وجدوها أوسع مما كان قبلها ، فدخل هو وأصحابه في الإسلام . وروي عن ابن عمر أنه قال : كنا إذا مات الرجل منا على كبيرة ، شهدنا أنه من أهل النار حتى نزلت هذه الآية : { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } فأمسكنا عن الشهادة . وهذه الآية رد على من يقول : إن من مات على كبيرة يخلد في النار ، لأن الله تعالى قد ذكر في آية أخرى { وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَيِ النهار وَزُلَفاً مِّنَ الليل إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات ذلك ذكرى للذاكرين } [ سورة هود : 114 ] يعني ما دون الكبائر ، فلم يبق لهذه المشيئة موضع سوى الكبائر . ثم قال تعالى : { وَمَن يُشْرِكْ بالله فَقَدِ افترى إِثْماً عَظِيماً } يعني اختلق على الله كذباً عظيماً . ويقال : فقد أذنب ذنباً عظيماً .