السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفۡتَرَىٰٓ إِثۡمًا عَظِيمًا} (48)

{ إن الله لا يغفر أن يشرك به } أي : لا يغفر الإشراك به ، قال عمر رضي الله تعالى عنهما : لما نزل { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً } ( الزمر ، 53 ) .

قالوا : يا رسول الله والشرك فنزلت . ولما أخبر بعدله أخبر تعالى بفضله فقال : { ويغفر ما دون ذلك } الأمر الكبير العظيم من كل معصية سواء أكانت صغيرة أم كبيرة سواء أتاب فاعلها أم لا ، ورهب بقوله : إعلاماً بأنه مختار لا يجب عليه شيء { لمن يشاء ) .

وقال الكلبيّ : نزلت هذه الآية في وحشي بن حرب وأصحابه وذلك أنه لما قتل حمزة وذهب إلى مكة ندم هو وأصحابه وكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا قد ندمنا على ما صنعنا وإنه ليس يمنعنا عن الإسلام إلا أنا سمعناك تقول وأنت بمكة : { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر } ( الفرقان ، 68 ) .

الآيات وقد دعونا مع الله إلهاً آخر وقتلنا النفس التي حرّم الله قتلها وزنينا فلولا هذه الآيات لاتبعناك فنزلت : { إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً } ( مريم ، 60 ) .

الآيتين فبعث بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فلما قرؤوهما كتبوا إليه : إن هذا شرط شديد نخاف أن لا نعمل عملاً صالحاً فنزلت : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فبعث بها إليهم فبعثوا إليه إنا نخاف أن لا نكون من أهل مشيئته فنزل : { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله } ( الزمر ، 53 ) .

الآية فبعث بها إليهم ، فدخلوا في الإسلام ورجعوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقبل منهم ثم قال لوحشيّ «أخبرني كيف قتلت حمزة ؟ » فلما أخبره قال : «ويحك غيب وجهك عني » فلحق وحشيّ بالشأم فكان بها إلى أن مات { ومن يشرك با فقد افترى } أي : ارتكب { إثماً عظيماً } أي : كبيراً فالافتراء كما يطلق على القول يطلق على الفعل وكذا الاختلاق .

روي أن رجلاً قال : يا رسول الله ما الموجبات ؟ قال : ( من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ، ومن مات يشرك بالله شيئاً دخل النار ) .

وروى أبو ذر أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من عبد قال : لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة ) قلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال : ( وإن زنى وإن سرق ) قلت : وإن زنى وإن سرق قال : «وإن زنى وإن سرق » قلت : «وإن زنى وإن سرق ؟ قال : ( وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر ) وكان أبو ذر إذا حدّث بهذا قال : وإن رغم أنف أبي ذر .