غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ وَمَن يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفۡتَرَىٰٓ إِثۡمًا عَظِيمًا} (48)

41

ثم بين أن مثل هذا التهديد من خواص الشرك والكفر فقال : { إن الله لا يغفر } الآية . وفي الآية دلالة على أن اليهودي يسمى مشركاً في عرف الشرع لاتصالها بقصتهم ، ولأنها دلت على أن ما سوى الشرك مغفور واليهودية غير مغفورة بالإجماع . ومن هنا قال الشافعي : المسلم لا يقتل بالذمي لأن الذمي مشرك ، والمشرك المباح الدم هو الذي لا يجب القصاص على قاتله ، ولا يتوجه النهي عن قتله ترك العمل بهذا الدليل في النهي فيبقى معمولاً به في سقوط القصاص عن قاتله . واستدلت الأشاعرة بالآية على غفران صاحب الكبيرة قبل التوبة لأن ما دون الشرك يشمله . والمعتزلة خصصوا الثاني بمن تاب كما أن الأول مخصص بالإجماع بمن لم يتب . قالوا : ونظيره قولك : " إن الأمير لا يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن يشاء " . المعنى لا يبذل الدينار لمن لا يستأهله ، ويبذل القنطار لمن يستأهله . والمشيئة تكون قصداً في الفعلين : المنفي والمثبت جميعاً ، لأنه إن شاء لم يتب المشرك فلا يترتب عليه الغفران ، وإن شاء تاب صاحب الكبيرة فيستوجب الغفران . وروى الواحدي في البسيط بإسناده عن ابن عمر قال : كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مات الرجل منا على كبيرة شهدنا أنه من أهل النار حتى نزلت هذه الآية فأمسكنا عن الشهادة . وقال ابن عباس بمحضر عمر : إني لأرجو كما لا ينفع مع الشرك عمل كذلك لا يضر مع التوحيد ذنب فسكت عمر . وعن ابن عباس : لما قتل وحشي حمزة يوم أحد وكانوا قد وعدوه الإعتاق إن هو فعل ذلك . ثم إنهم ما وفوا بذلك ندم هو وأصحابه فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ندمهم ، وأنه لا يمنعهم من الدخول في الإسلام إلاّ قوله تعالى :{ والذين لا يدعون مع الله إلهاً أخر }[ الفرقان :68 ] فقالوا : قد ارتكبنا كل ما في الآية فنزل قوله :{ إلاّ من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً }[ الفرقان :70 ] فقالوا : هذا شرط شديد نخاف أن لا نقوم به فنزل { إنّ الله لا يغفر أن يشرك به } فقالوا : نخاف أن لا نكون من أهل مشيئته فنزل

{ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم }[ الزمر :53 ] فدخلوا عند ذلك في الإسلام . { ومن يشرك بالله فقد افترى } اختلق وافتعل { إثماً عظيماً } لأنه ادعى ما لا يصح كونه .

/خ57