محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومٗا جَهُولٗا} (72)

{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } قال أبو السعود : لما بين عظم شأن طاعة الله ورسوله ، بيان مآل الخارجين عنها من العذاب الأليم ، ومثال المراعين لها من الفوز العظيم عقب ذلك ببيان عظم شأن ما يوجبها من التكاليف الشرعية وصعوبة أمرها بطريق التمثيل – مع الإيذان بأن ما صدر عنهم من الطاعة وتركها ، صدر عنهم بعد القبول والالتزام . وعبر عنها ب { الأمانة } تنبيها على أنها حقوق مرعية أودعها الله تعالى المكلفين ، وائتمنهم عليها وأوجب عليهم تلقيها بحسن الطاعة والانقياد وأمرهم بمراعاتها والمحافظة عليها وأدائها ، من غير إخلال بشيء من حقوقها . وعبر عن اعتبارها بالنسبة إلى استعداد ما ذكر من السماوات وغيرها ، بالعرض عليهن ، لإظهار مزيد الاعتناء بأمرها والرغبة في قبولهن لها – وعن عدم استعدادهن لقبولها ، بالإباء والإشفاق منها ، لتهويل أمرها وتربية فخامتها – وعن قبولها بالحمل لتحقيق معنى الصعوبة المعتبرة فيها ، بجعلها من قبيل الأجسام الثقيلة التي يستعمل فيها القوى الجسمانية ، التي أشدها وأعظمها ما فيهن من القوة والشدة . والمعنى : أن تلك الأمانة في عظم الشأن ، بحيث لو كلفت هاتيك الأجرام العظام ، التي هي مثل في القوة والشدة . مراعاتها ، وكانت ذات شعور وإدراك ، لأبين قبولها وأشفقن منها . ولكن صرف الكلام عن سننه بتصوير المفروض بصورة المحقق ، روما لزيادة تحقيق المعنى المقصود بالتمثيل وتوضيحه . وقوله تعالى : { وحملها الإنسان } – أي عند عرضها عليه إما باعتبارها بالإضافة إلى استعداده أو بتكليفه إياها يوم الميثاق أي تكلفها والتزامها مع ما فيه من ضعف البنية ورخاوة القوة – وهو إما عبارة عن قبوله لها بموجب استعداده الفطري ، أو عن اعترافه بقوله { بلى } . وقوله تعالى : { إنه كان ظلوما جهولا } اعتراض وسط بين الحمل وغايته ، للإيذان من أول الأمر بعدم وفائه بما عهده وتحمله – أي أنه كان مفرطا في الظلم ، مبالغا في الجهل . أي بحسب غالب أفراده الذين لم يعملوا بموجب فطرتهم السليمة . أو اعترافهم السابق دون من عداهم من الذين لم يبدلوا فطرة الله تبديلا . وإلى الفريق الأول أشير بقوله عز وجل :

{ لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } .