محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَمَا كُنتُمۡ تَسۡتَتِرُونَ أَن يَشۡهَدَ عَلَيۡكُمۡ سَمۡعُكُمۡ وَلَآ أَبۡصَٰرُكُمۡ وَلَا جُلُودُكُمۡ وَلَٰكِن ظَنَنتُمۡ أَنَّ ٱللَّهَ لَا يَعۡلَمُ كَثِيرٗا مِّمَّا تَعۡمَلُونَ} (22)

{ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ } .

{ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ } أي وما كنتم تستترون عند فعلكم الفواحش والمنكرات ، مخافة أو كراهة أن يشهد عليكم ما ذكر . أي ليس استتارهم للخوف مما ذكر ، بل من الناس . ف { أن يشهد } مفعول له ، / بتقدير مضاف . أو من أن يشهد أو عن أن يشهد . أو أنه ضمن معنى الظن ، فهو في محل نصب . وفي الآية تنبيه على أن المؤمن ينبغي أن يتحقق ، أنه لا يمر عليه حال إلا وعليه رقيب ، كما قال أبو نواس : {[6421]}

إذا ما خلوت الدهر يوما ، فلا تقل*** خلوت . ولكن قل : علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة*** ولا أن ما يخفى عليك ، يغيب

{ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ } أي ما ظننتم أن الله يعلم فينطق الجوارح ، ولكن ظننتم أنه لا يعلم كثيرا ، وهو ما عملتم خفية . فما استترتم عنها واجترأتم على المعاصي . وإذا كان { أن يشهد } مفعولا له ، فالمعنى ما استترتم بالحجب ، لخيفة أن تشهد عليكم الجوارح . فلذا ما استترتم عنها . لكن لأجل ظنكم أن الله لا يعلم كثيرا ، فلذا سعيتم في الاستتار عن الخلق ، لا عن الخالق ، ولا عما تنطق به الجوارح .


[6421]:انظر الصفحة رقم 615 من ديوانه (طبعة 1953).