محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{قُلۡ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّٗا فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَهُوَ يُطۡعِمُ وَلَا يُطۡعَمُۗ قُلۡ إِنِّيٓ أُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ مَنۡ أَسۡلَمَۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (14)

[ 14 ] { قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض وهو يطعم ولا يطعم قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم ولا تكونن من المشركين ( 14 ) } .

{ قل } أي لكفار مكة المبكتين بما تقدم : { أغير الله أتخذ وليا } أي معبودا . كقوله تعالى : { قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون } . والمعنى : لا أتخذ وليا إلا الله وحده . { فاطر السماوات والأرض } أي : خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق . بالجر ، صفة للجلالة ، مؤكدة للإنكار ، { وهو يطعِم ولا يطعَم } أي : يَرزق ولا يُرزق . أي : المنافع كلها من عنده ، ولا يجوز عليه الانتفاع . أي : فيجب اتخاذه وليا ليعبد شكرا على إنعامه ، وكفايته الحوائج بلا طلب عوض . قيل : المراد بالطعم الرزق ، بمعناه اللغوي . وهو كل ما ينتفع به ، بدليل وقوعه مقابلا له في قوله تعالى : " ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون }{[3372]} . فعبر بالخاص عن العام مجازا ، لأنه أعظمه وأكثره ، لشدة الحاجة إليه . واكتفى به عن العام ، لأنه يعلم ، من نفى ذلك ، نفى ما سواه .

/ { قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم } . أي : وجهه لله مخلصا له ، لأصير متبوعا للباقين . كقوله : { وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين }{[3373]} . وكقول موسى : { سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين }{[3374]} .

{ ولا تكونن من المشركين } أي : وقيل لي : { ولا تكونن } . فهو معطوف على { أمرت } بمعنى أمرت بالإسلام ، ونهيت عن الشرك صريحا مؤكدا ، بعد النهي في ضمن الأمر . ونهي المتبوع نهي التابعين . ويجوز عطفه على { قل } . وفي الآية إرشاد إلى أن كل آمر ينبغي أن يكون عاملا بما أمر به ، لأنه مقتداهم . بل : هذه الآية للتحريض ، كما يأمر الملك رعيته بأمر ، ثم يقول : وأنا أول من يفعل ذلك ، ليحملهم على الامتثال .


[3372]:- [51/ الذاريات/ 57].
[3373]:- [6/ الأنعام/ 163] ونصها: {لا شريك له...}.
[3374]:- [7/ الأعراف / 143] ونصها: {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين (143)}.