وما يُهلكنا إلا الدهر : هؤلاء الملاحدة الذين لا يؤمنون بالله يقولون : لا وجود للإله وإنما نولد ونموت طبيعيا .
ثم بعد ذلك يذكر اللهُ مقالةَ المنكرين للبعث ، والذين يقال لهم الدَّهرِيّون . هؤلاء الناس أنكروا البعث وقالوا : ما هي إلا حياتنا الدنيا هذه ، نموتُ ونحيا وما يُهلكنا إلا الدهر .
{ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ }
إنهم لا يقولون ذلك عن علمٍ ويقين ، ولكن عن ظنّ وتخمين ، وأوهام لا مستَنَدَ لها من نقل أو عقل .
قوله تعالى : { وقالوا } يعني : منكري البعث ، { ما هي إلا حياتنا الدنيا } أي : ما الحياة إلا حياتنا الدنيا ، { نموت ونحيا } أي يموت الآباء ويحيا الأبناء ، وقال الزجاج : يعني نموت ونحيا ، " فالواو " للاجتماع ، { وما يهلكنا إلا الدهر } أي وما يفنينا إلا مر الزمان وطول العمر واختلاف الليل والنهار . { وما لهم بذلك } أي : الذي قالوه ، { من علم } أي : لم يقولوه عن علم ، { إن هم إلا يظنون }
أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي ، أنبأنا أبو طاهر محمد بن محمش الزيادي ، أنبأنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، حدثنا أبو الحسن أحمد بن يوسف السلمي ، حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر عن همام بن منبه ، حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله تعالى : لا يقل ابن آدم : يا خيبة الدهر ، فإني أنا الدهر ، أرسل الليل والنهار ، فإذا شئت قبضتهما " .
أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري ، حدثنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار ، أنبأنا محمد بن زكريا العذافري ، أنبأنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن أيوب عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يسب أحدكم الدهر ، فإن الله هو الدهر ، ولا يقولن للعنب : الكرم ، فإن الكرم هو الرجل المسلم " . ومعنى الحديث أن العرب كان من شأنهم ذم الدهر ، وسبه عند النوازل ، لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره ، فيقولون : أصابتهم قوارع الدهر ، وأبادهم الدهر ، كما أخبر الله تعالى عنهم : { وما يهلكنا إلا الدهر } فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبوا فاعلها ، فكان مرجع سبهم إلى الله عز وجل ، إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يضيفونها إلى الدهر ، فنهوا عن سب الدهر .
{ وقالوا } الضمير لمن اتخذ إلهه هواه أو لقريش .
{ نموت ونحيا } فيه أربع تأويلات :
أحدها : أنهم أرادوا يموت قوم ويحيا قوم .
والآخر : نموت نحن ويحيا أولادنا .
الثالث : نموت حين كنا عدما أو نطفا ، ونحيا في الدنيا .
الرابع : نموت الموت المعروف ، ونحيا قبله في الدنيا فوقع في اللفظ تقديم وتأخير ، ومقصودهم على كل وجه إنكار الآخرة ، ويظهر أنهم كانوا على مذهب الدهرية لقولهم : { وما يهلكنا إلا الدهر } ، فرد الله عليهم بقوله : { وما لهم بذلك من علم } الآية .
ولما كان التقدير للدلالة على الختم على مشاعرهم ، فقد قالوا مع اعترافهم بتفرده تعالى بخلقهم ورزقهم وخلق جميع الموجدات في إنكار الوحدانية : إن له شركاء{[58218]} ، عطف عليه قوله : { وقالوا } أي في إنكارهم البعث مع اعترافهم بأنه{[58219]} قادر على كل شيء ومعرفتهم أنه قد وعد بذلك في الأساليب المعجزة {[58220]}وأنه{[58221]} لا يليق بحكيم أصلاً أن يدع من تحت يده يتهارجون من غير حكم بينهم : { ما هي } أي الحياة{[58222]} { إلا حياتنا } أي أيها الناس { الدنيا } أي هذه التي نحن فيها{[58223]} مع أن تذكر مدلول هذا الوصف الذي هو أمر نسبي لا يعقل إلا بالإضافة{[58224]} إلى حياة أخرى بُعدى كافٍ{[58225]} في إثبات البعث .
ولما أثبتوا {[58226]}بادعائهم الباطل هذه{[58227]} الحياة أتبعوها حالها فقالوا : { نموت ونحيا } أي تنزع الروح من بعض-{[58228]} فيموت ، وتنفخ في بعض آخر فيحيى ، وليس وراء الموت حياة أخرى للذي مات ، {[58229]}فقد أسلخوا أنفسهم بهذا القول{[58230]} من الإنسانية إلى{[58231]} البهيمية لوقوفهم مع الجزئيات ، ولما كان هلاكهم في زعمهم لا آخر له ، عدوا الحياة {[58232]}في جنبه{[58233]} عدماً فلم يذكروها وقالوا بجهلهم{[58234]} : { وما يهلكنا } أي بعد هذه{[58235]} الحياة { إلا الدهر } أي الزمان الطويل بغلبته علينا بتجدد إقباله وتجدد إدبارنا بنزول الأمور المكروهة بنا ، من دهره - إذا غلبه . ولما{[58236]} أسند إليهم هذا القول الواهي ، بين حالهم عند قوله فقال تعالى : { وما } أي قالوه والحال أنه ما { لهم بذلك } أي القول البعيد من الصواب وهو أنه لا حياة بعد هذه ، وأن الهلاك منسوب إلى الدهر على أنه مؤثر بنفسه ، وأعرق في النفي فقال : { من علم } أي كثير ولا قليل { إن }{[58237]} أي ما { هم إلا يظنون * } {[58238]}بقرينة أن الإنسان كلما تقدم في السن ضعف ، وأنه لم يرجع أحد من الموتى{[58239]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.