محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا يُهۡلِكُنَآ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ} (24)

{ وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا } أي ما الحياة أو الحال غير حياتنا هذه التي نحن فيها { نموت } أي بالموت البدني الطبيعي ، { ونحيا } أي الحياة الجسمانية الحسية ، لا موت ولا حياة غيرهما { وما يهلكنا إلا الدهر } أي مرّ الليالي والأيام وطول العمر { وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون } أي : وما يقولون ذلك عن علم ولكن عن ظن وتخمين . و ( ذلك ) إشارة إلى نسبة الحوادث إلى الدهر ، أو إلى إنكار البعث ، أو إلى كليهما . قال الزمخشري : كانوا يزعمون أن مرور الأيام والليالي هو المؤثر في هلاك الأنفس ، وينكرون ملك الموت وقبضه الأرواح بأمر الله . وكانوا يضيفون كل حادثة إلى الدهر والزمان . وترى أشعارهم ناطقة بشكوى الزمان . ومنه قوله عليه الصلاة والسلام{[1]} : ( لا تسبوا الدهر ، فإن الله هو الدهر ) أي فإن الله هو الآتي بالحوادث لا الدهر . انتهى .

وقال الخطابيّ ، معناه أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي تنسبونها إلى الدهر . فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور ، عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها . وإنما الدهر زمان جعل ظرفا لمواقع الأمور . وكان عادتهم إذا أصابهم مكروه أضافوه إلى الدهر فقالوا ( بؤسا للدهر ) و( تبا للدهر ) . انتهى .

قال ابن كثير : وقد غلط ابن حزم ، ومن نحا نحوه من الظاهرية ، في عدّهم الدهر من الأسماء الحسنى ، أخذا من هذا الحديث . انتهى .

تنبيه :

في هذه الآية ردّ على الدهرية ، وهم المعطلة ، بأن متمسكهم ظن وتخمين . لم يشم رائحة اليقين . وما هذا سبيله ، فباب القبول في وجهه مسدود{[2]} { إن الظن لا يغني من الحق شيئا } .

قال الشهرستانيّ في معطلة العرب : فصنف منهم أنكروا الخالق والبعث والإعادة ، وقالوا بالطبع المحيي والدهر المفني . وهم الذين أخبر عنهم القرآن المجيد{[3]} { وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا } إشارة إلى الطبائع المحسوسة في العالم السفليّ . وقصر الحياة والموت على تركبها وتحللها . فالجامع هو الطبع ، والمهلك هو الدهر { وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون } فاستدل عليهم بضرورات فكرية ، وآيات فطرية ، في كم آية وكم سورة فقال تعالى{[4]} { أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين } {[5]} : { أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض } وقال{[6]} : { أو لم يروا إلى ما خلق الله } وقال{[7]} : { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين } وقال{[8]} : { يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم } فثبتت الدلالة الضرورية من الخلق على الخالق . فإنه قادر على الكمال ، إبداء وإعادة . انتهى .

ولي في الرد على الدهريين ، وهم الماديون والطبيعيون ، كتاب وَسَمْتهُ ( دلائل التوحيد ) فليرجع إليه المريد ، فليس وراءه ، بحمده تعالى ، من مزيد .


[1]:(4 النساء 15 و 16).
[2]:(24 النور 2).
[3]:(2 البقرة 282).
[4]:(70 المعارج 33).
[5]:(49 الحجرات 6).
[6]:أخرجه البخاري في: 78 – كتاب الأدب، 69 – باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}، حديث 2340، عن عبد الله بن مسعود.
[7]:- [7/الأعراف/21] ونصها: (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين).
[8]:- انظر الحاشية رقم 5.