الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا يُهۡلِكُنَآ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ} (24)

ثم قال تعالى : { وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا } وقال هؤلاء المشركون ما حياتنا الدنيا التي نحن فيها ، لا حياة وسواها ، تكذيبا{[62576]} بالبعث والجزاء .

قال قتادة : ( هذا قول مشركي العرب ){[62577]} .

وقوله : { نموت ونحيا } أي نموت نحن ويحيى أبناؤنا بعدنا .

وقيل : هو كلام فيه تقديم وتأخير . والتقدير : نحيى ونموت{[62578]} .

وقيل المعنى : نكون أمواتا ، يعني : النطق ، ثم نحيى ، أي{[62579]} : نصير أحياء في الدنيا ثم لا يهلكنا إلا الدهر ، أي : إلا مرور الزمان وطول العمر{[62580]} .

وقيل المعنى : نموت ( ونحيا على قولكم أيها المؤمنون ){[62581]} – على طريق الاستعباد{[62582]} للبعث{[62583]} – بعد الموت ، قاله علي بن سليمان{[62584]} .

وهؤلاء قوم لم يكونوا يعرفون الله فنسبوا ما يلحقهم من الموت إلى الدهر .

وقيل : بل كانوا يعرفون الله سبحانه ، ولكن نسبوا الآفات والعلل التي تلحقهم فيموتون بها{[62585]} إلى الدهر{[62586]} .

جهلوا أن الآفات مقدرة من عند الله عز وجل .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تسبوا الدهر ، فإن الدهر هو الله " {[62587]} .

فيكون معنى نهيه : لا تسبوا الدهر فإن الله هو مهلككم لا الدهر الذي نسبتم ذلك إليه .

وقيل المعنى : لا تسبوا خلقا من خلق الله فيما لا ذنب له ، فإن الله عز وجل هو خالق الدهر . فيكون على حذف مثل { واسأل القرية }{[62588]} .

وقيل معنى ذلك ، فإن الله مقيم الدهر ، أي : مقيم أبدا لا يزول .

ثم قال تعالى : { وما لهم بذلك من علم } أي : وما لهم – بقولهم : لا نبعث – من علم ، إنما ينكرون ذلك ويقولون : ما هي إلا حياتنا الدنيا – تخرصا بغير خبر أتاهم من الله عز وجل . ما هم إلا في{[62589]} ظنون ، أي : في شك من ذلك وحيرة .


[62576]:(ح): تكذيب.
[62577]:انظر جامع البيان 25/91.
[62578]:انظر المحرر الوجيز 14/318، وجامع القرطبي 16/170، وأضاف القرطبي أن هذه قراءة ابن مسعود.
[62579]:ساقط من (ح).
[62580]:انظر المحرر الوجيز 14/318.
[62581]:(ح): (ونحيا أيها المؤمنون على قولكم).
[62582]:(ت): الاستيعاد.
[62583]:ساقط من (ت).
[62584]:انظر إعراب النحاس 4/148.
[62585]:(ت): (فيها).
[62586]:إعراب النحاس 4/149.
[62587]:أخرجه البخاري في كتاب التفسير، سورة الجاثية ج 4826، وكتاب التوحيد، باب قوله تعالى: {يريدون أن يبدلوا كلام الله} رقم 7491، ومسلم في كتاب الألفاظ من الأدب وغيرهما، باب النهي عن سب الدهر ج 4/1762 و 1763، والحميدي في مسنده 2/468 ح 1096، وأحمد 5/299 و311، والنسائي في تفسيره 2/283 ح 506 و507، والشهاب في مسنده 2/79 ح 920 و921، والبيهقي 3/365، وابن حجر في الكافي سورة الجاثية 390. عن أبي هريرة بمعناه.
[62588]:يوسف آية 82.
[62589]:فوق السطر في (ت).