البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا يُهۡلِكُنَآ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ} (24)

{ وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا } هي مقالة بعض قريش إنكاراً للبعث .

والظاهر أن قولهم : { نموت ونحيا } حكم على النوع بجملته من غير اعتبار تقديم وتأخير ، أي تموت طائفة وتحيا طائفة .

وأن المراد بالموت مفارقة الروح للجسد .

وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، أي نحيا ونموت .

وقيل : نموت عبارة عن كونهم لم يوجدوا ، ونحيا : أي في وقت وجودنا ، وهذا قريب من الأول قبله ، ولا ذكر للموت الذي هو مفارقة الروح في هذين القولين .

وقيل : تموت الآباء وتحيا الأبناء .

وقرأ زيد بن علي : ونحيا ، بضم النون .

{ وما يهلكنا إلا الدهر } : أي طول الزمان ، لأن الآفات تستوي فيه كمالاتها هذا إن كان قائلو هذا معترفين بالله ، فنسبوا الآفات إلى الدهر بجهلهم أنها مقدرة من عند الله ، وإن كانوا لا يعرفون الله ولا يقرون به ، وهم الدهرية ، فنسبوا ذلك إلى الدهر .

وقرأ عبد الله : إلا دهر ، وتأويله : إلا دهر يمر .

كانوا يضيفون كل حادثة إلى الدهر ، وأشعارهم ناطقة بشكوى الدهر ، حتى يوجد ذلك في أشعار المسلمين .

قال ابن دريد في مقصورته :

يا دهر إن لم تك عتبي فاتئد *** فإن اروادك والعتبي سواء