وبعد أن يقرر الله تعالى أنه على كل شيء قدير ، يوضح هنا أن كل شيء في هذا الكون بيده ، يتصرف فيه كيف يشاء ، فحين يفتح الله أبواب رحمته للناس لا يستطيع أحدٌ إغلاقها ، ومتى أَمسكها فلا أحد يستطيع فتحها ، فمفاتيحُ الخير ومغاليقه كلها بيده سبحانه وتعالى ، { وَهُوَ العزيز الحكيم } صاحب العزة والسلطان والحكمة .
روى ابن المنذر عن عامر بن عبد القيس ، قال : أربع آيات من كتاب الله إذا قرأتُهن فما أبالي ما أُصبح عليه وأمسي :
1 - ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل لها من بعده .
2 - وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو ، وإن يردْك بخير فلا رادّ لفضله . . . . يونس : 107
3 - سيجعل اللهُ بعد عسرٍ يسراً . . . . الطلاق 7 .
4 - وما من دابةٍ في الأرض إلا على الله رزقها . . . هود 6
وهذا يعني أن عامر بن عبد القيس كان يقرأ هذه الآيات ويستأنس بها ويعمل بها .
ولما وصف سبحانه نفسه المقدس بالقدرة الكاملة ، دل على ذلك بما يشاهده كل أحد في نفسه من السعة والضيق مع العجز عن دفع شيء من ذلك أو اقتناصه ، فقال مستأنفاً أو معللاً مستنتجاً : { ما } أي مهما { يفتح الله } أي الذي لا يكافئه شيء . ولما كان كل شيء من الوجود لأجل الناس قال : { للناس } ولما كان الإنعام مقصوداً بالذات محبوباً ، وكانت رحمته سبحانه قد غلبت غضبه ، صرح به فقال مبيناً للشرط في موضع الحال من ضميره أي يفتحه كائناً : { من رحمة } أي من الأرزاق الحسية والمعنوية من اللطائف والمعارف التي لا تدخل تحت حصر دقت أو جلت فيرسلها { فلا ممسك لها } أي الرحمة بعد فتحه كما يعلمه كل أحد في نفسه من أنه إذا حصل له خير لا يعدم من يود أنه لم يحصل ، ولو قدر على إزالته لأزاله ، ولا يقدر على تأثير ما فيه .
ولما كان حبس النعمة مكروهاً لم يصرح به ، وترك الشرط على عمومه بعد أن فسر الشرط الأول بالرحمة دلالة على مزيد الاعتناء بها إيذاناً بأن رحمته سبقت غضبه فقال : { وما يمسك } أي من رحمة أو نعمة بإغلاق باب الخلق عنه { فلا مرسل له } أي الذي أمسكه بمثل البرهان الماضي في الرحمة .
ولما كان ربما ادعى أحد فجوراً حال إمساك الرحمة أو النقمة أنه هو الممسك قال : { من بعده } أي بعد إمساكه ، فمن كان في يده شيء فليمسك ما أتى به الله حال إيجاده بأن يعدمه . ولما كان هذا ظاهراً في العزة في أمر الناس والحكمة في تدبيرهم عمم فقال : { وهو } أي هو فاعل ذلك والحال أنه وحده { العزيز } أي القادر على الإمساك والإرسال الغالب لكل شيء ولا غالب له { الحكيم * } الذي يفعل في كل من الإمساك والإرسال وغيرهما ما يقتضيه علمه به ويتقن ما أراد على قوانين الحكمة ، فلا يستطاع نفض شيء منه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.