أم لهم شركاء : شركاء في الكفر .
ما لم يأذن به الله : كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا فقط .
كلمة الفصل : هي الحكم والقضاء منه تعالى بتأخيرهم إلى يوم القيامة .
ثم أعقب ذلك بذِكر ما وسوستْ به الشياطين لشركائهم ، وزينت لهم من الشِرك بالله وإنكار البعث والجزاء ، وأنهم كانوا يستحقُّون العذابَ العاجل على ذلك ، لكن الله تعالى أجّله لما سبق في علمه من تأخيرهم إلى يوم معلوم .
{ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين } : أي بل لهم شركاء من الشياطين شرعوا لهم من الدين .
{ ما لم يأذن به الله } : أي ما لم يشرعه الله تعالى وهو الشرك .
{ ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم } : أي ولولا كلمة الفصل التي حكم الله بها بتأخير العذاب إلى يوم القيامة لأهلكم اليوم على شركهم وأنجى المؤمنين .
وقوله تعالى في الآية ( 21 ) { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } يقول أللمشركين من كفار قريش شركاء من الشياطين شرعوا لهم دينا وهو الشرك لم يأذن به الله ، وهذا إنكار عليهم ، وإعلان غضب شديد من أجل شركهم الذي زينته لهم الشياطين فصرفتهم عن الدين الحق إلى الدين الباطل ، ولذا قال : ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم أي ولولا أنه تعالى قضى بأن يؤخر عذابهم إلى يوم القيامة لعذبهم في الدنيا وأهلكهم فيها قبل الآخرة ، وذلك لاتخاذهم ديناً لم يشرعه لهم ، وقوله تعالى وإن الظالمين أي المشركين لهم عذاب أليم أي موجع وذلك يوم القيامة وهذا وعيد للمشركين الذين اتخذوا الجاهلية والشرك وعبادة الأوثان دينا وأعرضوا عن دين الله الذي أوصى به نوحا وأوحاه إلى محمد خاتم رسله ، كما أوصي به إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام .
قوله تعالى :{ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } يعني كفار مكة ، يقول : إنهم سنوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما : شرعوا لهم ديناً غير دين الإسلام . { ولولا كلمة الفصل } لولا أن الله حكم في كلمة الفصل بين الخلق بتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة ، حيث قال : { بل الساعة موعدهم } ( القمر-46 ) ، { لقضي بينهم } لفرغ من عذاب الذين يكذبونك في الدنيا ، { وإن الظالمين } المشركين ، { لهم عذاب أليم } في الآخرة .
قوله تعالى : " أم لهم شركاء " والميم صلة والهمزة للتقريع . وهذا متصل بقوله : " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا " [ الشورى : 13 ] ، وقوله تعالى : " الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان " [ الشورى : 17 ] كانوا لا يؤمنون به ، فهل لهم آلهة شرعوا لهم الشرك الذي لم يأذن به الله ! وإذا استحال هذا فالله لم يشرع الشرك ، فمن أين يدينون به . " ولولا كلمة الفصل " القيامة حيث قال : " بل الساعة موعدهم " [ القمر : 46 ] . " لقضي بينهم " في الدنيا ، فعاجل الظالم بالعقوبة وأثاب الطائع . " وإن الظالمين " أي المشركين . " لهم عذاب أليم " في الدنيا القتل والأسر والقهر ، وفي الآخرة عذاب النار . وقرأ ابن هرمز " وأن " بفتح الهمزة على العطف " ولولا كلمة " والفصل بين المعطوف عليه بجواب " لولا " جائز . ويجوز أن يكون موضع " أن " رفعا على تقدير : وجب أن الظالمين لهم عذاب أليم ، فيكون منقطعا مما قبله كقراءة الكسر ، فاعلمه .
ولما تقرر ما شرع من الدين مما وصى به جميع النبيين فبانت أصوله ، واتضحت فروعه وفصوله ، وظهرت غرائبه وأشرقت فرائده وآياته ، وختم بالقانون الأعظم في أمر الدارين مما هو مشاهد ولا يقدر عليه غيره ، فكان التقدير من غير خفاء : هذا شرع الله الذي ارتضاه لعباده وحكم بأن الإقبال عليه غير ضار بطلب الرزق وقدر الأرزاق فلا قدرة لأحد أن يزيد في رزقه شيئاً ، ولا أن ينقص منه شيئاً ، أقبلوه ؟ عادل ذلك بقوله تعالى مقرراً موبخاً منبهاً على ما هو الأصل في الضلال عن قوانينه المحررة وشرائعه الثابتة المقررة : { أم لهم } أي لهؤلاء الذين يروغون يميناً وشمالاً { شركاء } على زعمهم شاركوا الشارع الذي مضى بيان عزته وظهور جلاله وعظمته في أمره حتى { شرعوا } أي الشركاء الذين طرقوا ونهجوا { لهم } أي للكفار ، ويجوز أن يكون المعنى : شرع الكفار لشركائهم { من الدين } في العبادات والعادات التي تقرر في الأذهان أنه لا بد من الجزاء عليها لما جرت به عوائدهم عن محاسبة من تحت أيديهم وقدروا لهم من الأرزاق ، وعدل عن أسلوب العظمة إلى الاسم الأعظم إشارة إلى ما فيه مع العظمة من الإكرام الذي من جملته الحلم المقتضي لعدم معاجلتهم بالأخذ فقال تعالى : { ما لم يأذن به الله } أي يمكن العباد منه بأمرهم به وتقريرهم عليه الملك الذي لا أمر لأحد معه ، وقد محقت صفاته كل صفة وتضاءل عندها كل عظمة ، فأقبلوا عليه دون غيره لكونه معتداً به ، فإن كان كذلك فليسعدوا من أقبل على الدنيا التي هي محط أمرهم فلا يعرفون غيرها بأن يعطوه جميع مراده ويشقوا من أراد الآخرة وسعى لها سعيها ، ونسب الشرع إلى الأوثان لأنها سببه كما كانت سبب الضلال في قوله سبحانه وتعالى حكاية عن إبراهيم خليله عليه الصلاة والسلام { رب إنهن أضللن كثيراً من الناس } ويضاف الشركاء إليهم تارة لأنهم متخذوها وتارة إلى الله تعالى لأنهم أشركوهم به ، والعبارة تأتي بحسب المقام .
ولما علم قطعاً أن التقدير : فلولا أن هذه الأفعال التي يفعلونها من غير إذن منه لا تنقص من ملكه سبحانه شيئاً ، ولا تضر إلا فاعلها مع أنها بإرادته ، فكانت لمنعهم عنها لم يصلوا إلى شيء منها ، عطف عليه قوله تعالى : { ولولا كلمة الفصل } التي سبق في الأزل أنها لا تكون ولما كان أمرهم هيناً ، بني الفعل للمفعول ، فقال : { لقُضي بينهم } أي بين الذين امتثلوا أمره فالتزموا شرعه وبين الذين اتبعوا ما شرعوه لمن سموهم شركاء في أقرب وقت ولكنه قد سبق القضاء في أزل الأزل بمقادير الأشياء وتحديدها على وجوه الحكمة ، فهي تجري على ما حد لها لا تقدم لشيء منها ولا تأخر ولا تبدل ولا تغير ، وستنكشف لكم الأمور وتظهر مخبآت المقدور فلا يقع الفصل إلا في الآخرة كما سبق به القضاء بأن يكون للمقسطين نعيم مقيم .
ولما كانوا ينكرون أن يقع بهم عذاب ، قال مؤكداً عطفاً على ما قدرته بما أرشد إليه السياق : { وإن الظالمين } بشرع ما لم يأذن به الله من الشرك وغيره { لهم عذاب أليم * } أي مؤلم بليغ إيلامه .