تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَـٰٓفَّـٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحۡمَٰنُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءِۭ بَصِيرٌ} (19)

صافّات : باسطاتٍ أجنحتهنّ في الجوّ أثناء الطيران .

ويقبضن : يضممنها تارة أخرى .

ثم بعد ذلك وجّه أنظارهم إلى باهر قدرته ، وعظيم منّته على عباده ، فطلبَ إليهم أن ينظروا إلى بعض مخلوقاته ، كالطّير كيف تطير باسطةً أجنحتها في الجو تارةً وتضمّها أخرى ، وذلك كلّه بقدرة الله وتعليمه لها ما هي بحاجة إليه .

فبعد هذا كله اعتبِروا يا أيها الجاحدون ، مما قصَصْنا عليكم ، فهل أنتم آمنون أن ندبر بحكمتنا عذاباً نصبّه ونقضي عليكم ، فلا يبقى منكم أحد ! ؟

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَـٰٓفَّـٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحۡمَٰنُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءِۭ بَصِيرٌ} (19)

قوله تعالى : " أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات " أي كما ذلل الأرض للآدمي ذلل الهواء للطيور . و " صافات " أي باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها ؛ لأنهن إذا بسطنها صففن قوائمها صفا . " ويقبضن " أي يضربن بها جنوبهن . قال أبو جعفر النحاس : يقال للطائر إذا بسط جناحيه : صاف ، وإذا ضمهما فأصابا جنبه : قابض ، لأنه يقبضهما . قال أبو خراش :

يبادر جُنْحَ الليل فهو مُوَائِل{[15198]}*** يَحُثّ الجناح بالتَّبَسُّطِ والقَبْضِ

وقيل : ويقبضن أجنحتهن بعد بسطها إذا وقفن من الطيران . وهو معطوف على " صافات " عطف المضارع على اسم الفاعل ، كما عطف اسم الفاعل على المضارع في قول الشاعر :

بات يُغشِّيها بعَضْب باتر*** يقصد في أسْوُقها وجَائِر{[15199]}

" ما يمسكهن " أي ما يمسك الطير في الجو وهي تطير إلا الله عز وجل . " إنه بكل شيء بصير " .


[15198]:كذا في نسخ الأصل. وواءل الطائر: لجأ وخلص. والى المكان: بادر. والذي في ديوان أشعار الهذليين وكتب اللغة: "فهو مهابذ" والمهابذة: الإسراع.
[15199]:لم يعلم قائله، وهو من الرجز المسدس. و "يعشيها" أي يطعمها العشاء. ويروى: "يغشيها" بالغين المعجمة من الغشاء كالغطاء، أي يشملها ويعمها. وضمير المؤنث للإبل، وهو في وصف كريم بادر بعقر إبله لضيوفه. والعضب: السيف. و "يقصد": من القصد وهو ضد الجور. و "أسوقها": جمع ساق، وهو ما بين الركبة إلى القدم. و "جائر" من جار إذا ظلم. أي يجوز. (راجع خزانة الأدب في الشاهد السادس والخمسين بعد الثلاثمائة).
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَـٰٓفَّـٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحۡمَٰنُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءِۭ بَصِيرٌ} (19)

{ أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات } تنبيه على الاعتبار بطيران الطيور في الهواء من غير شيء يمسكها ، وصافات جمع صافة وهي التي تبسط جناحها للطيران ، والقبض : ضم الجناحين إلى الجنب ، وعطف يقبض على صافات لأن الفعل في معنى الاسم ، تقديره قابضات ، فإن قيل : لم يقل قابضات على طريقة صافات ، فالجواب أن بسط الجناحين هو الأصل في الطيران ، كما أن مد الأطراف هو الأصل في السباحة ، فذكر بصيغة اسم الفاعل لدوامه وكثرته ، وأما قبض الجناحين ، فإنما يفعله الطائر قليلا للاستراحة والاستعانة ، فذكر بلفظ الفعل لقلته .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَـٰٓفَّـٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحۡمَٰنُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءِۭ بَصِيرٌ} (19)

ولما ذكر بمصارع الأولين ، وكان التذكير بالحاصب تذكيراً لقريش ، بما حصب به على قرب الزمان ، عدوهم أصحاب الفيل ، بما أرسل عليهم{[66996]} من الطير الأبابيل ، تحذيراً لهم من ذلك إن تمادوا على كفره{[66997]} ، ولم ينقادوا إلى شكره ، فكان التقدير تقريراً لزيادة قدرته ، وحسن تدبيره ، ولطف تربيته ، حيث جبر الطير لضعفها{[66998]} بالطيران ، ليكمل بعموم رحمانيته{[66999]} أمر معاشها تقريراً ، لأن بيده الملك ، وترهيباً من أن ينازعه أحد في تدبيره ، مع تبقية القول مصروفاً عن خطابهم ، إيذاناً بشدة حسابهم ، وسوء منقلبهم ومآبهم ؛ ألم يروا إلى قدرتنا على مصارع الأولين ، وإهلاك المكذبين ، وإنجاء المؤمنين ، عطف عليه قوله معرضاً عنهم ، زيادة في الإنذار بالحصب من الطير وغيرها : { أو لم يروا } وأجمع القراء على القراءة هنا بالغيب ، لأن السياق للرد على المكذبين ، بخلاف ما في النحل .

وأشار إلى بعد الغاية بحرف النهاية ، فقال : { إلى الطير } وهو جمع طائر .

ولما كان الجو كله مباحاً للطيران ، نزع الجار فقال : { فوقهم } وبين حال الطير في الفوقية بقوله واصفاً لها بالتأنيث ، إشارة إلى ضعفها في أنفسها{[67000]} لولا تقويته{[67001]} لها { صافات } أي باسطات أجنحتها ، تمدها غاية المد ، بحيث تصير مستوية لا اعوجاج فيها ، مع أنه إذا كان جماعة منها كانت صفوفاً ، أو صفاً واحداً في غاية الانتظام ، تابعة لإمام منها .

ولما عبر عن الصف بالاسم ، لأنه الأصل الثابت ، عبر عن التحريك بالفعل ، لأن الطيران في ساحة الهواء ، كالسباحة في باحة الماء ، والأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها ، والبقض طارىء على البسط ، فقال : { ويقبضن } أي يوقعن قبض الأجنحة وبسطها وقتاً بعد وقت ، للاستراحة والاستظهار به على السبح في الهواء . ولما تم هذا التقدير على هذا الوجه الرائع للقلوب ، ترجمه بقوله{[67002]} : { ما يمسكهن } أي في الجو في حال القبض والبسط عن السقوط ، على خلاف ما يقتضيه الطبع .

ولما كان هذا من التدبير المحكم الناظر إلى عموم الرحمة قال : { إلا الرحمن } أي الملك الذي رحمته عامة لكل شيء ، بأن هيأهن - بعد أن أفاض عليهن رحمة الإيجاد - على أشكال مختلفة وخصائص مفترقة للجري في الهواء ، بما أوجد لها من القوادم والحوافي وغير ذلك{[67003]} من الهيئات المقابلة لذلك ، وكذا جميع العالم لو أمسك عنه حفظه{[67004]} طرفة عين لفسد بتهافت الأفلاك وتداعي الجبال وغيرها ، وعبر في النحل بالاسم الأعظم ، لأن سياقها للرد على أهل الطبائع{[67005]} وهم الفلاسفة ، الذين لا يقوم بالرد عليهم إلا المتبحر في معرفة{[67006]} جميع أصول الدين ، بمعرفة جميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى ، التي{[67007]} جمعها اسم الذات .

ولما كان هذا أمراً رائعاً للعقل ، ولكنه لشدة الإلف ، صار لا يتنبه له إلا بالتنبيه ، وكان الجاهل ربما ظن أن التقدير على الطيران خاص بالطير ، نبه سبحانه على عظمة ما هيأ الطير له ، وعلى أنه يقدر أن يجعل ذلك لغيره ، بقوله مؤكداً لأجل قصور بعض العقول عن التصديق بذلك ، وتضمن الإشراك للطعن في تمام الاقتدار المتضمن للطعن في تمام العلم : { إنه } أي الرحمن سبحانه { بكل شيء }{[67008]} قل أو كثر ، جليل وحقير ، ظاهر وباطن{[67009]} { بصير * } بالغ البصر والعلم بظواهر الأشياء وبواطنها ، فمهما أراد كان ، وهو يخلق العجائب ويوجد الغرائب ، فيهيىء من أراد من الآدميين وغيرهم لمثل{[67010]} ذلك .


[66996]:-زيد في الأصل: به، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66997]:- من م، وفي الأصل وظ: كفرهم.
[66998]:- من ظ وم، وفي الأصل: إلى أضعفها.
[66999]:- من ظ وم، وفي الأصل: رحمته.
[67000]:- من ظ وم، وفي الأصل: نفسهم.
[67001]:- زيد في الأصل: بقوله، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67002]:-زيد من ظ وم.
[67003]:- زيد في الأصل: في، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67004]:- من ظ وم، وفي الأصل: حفظته.
[67005]:- من ظ وم، وفي الأصل: الطباع.
[67006]:- من ظ وم، وفي الأصل: المعرفة.
[67007]:- من ظ وم، وفي الأصل: الذي.
[67008]:- سقط ما بين الرقمين من ظ و.
[67009]:- سقط ما بين الرقمين من ظ و.
[67010]:- من ظ وم وفي الأصل: مثل.