لتركبنّ طبقا عن طبق : لَتُلاَقُنَّ حالاً بعد حال ، بعضها أشدّ من بعض وهي الحياة ، والموت ، والبعث ، وأهوال القيامة .
{ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبقٍ } وهنا جواب القسم : لتلاقُنَّ أيها الناس حالاً بعد حال ، رخاءً بعد شدة ، وسُقماً بعد صحة ، وغنًى بعد فقر ، منذ خَلْقِكم إلى طفولتكم ، وشبابكم وشيخوختكم ، ثم موتكم ، ثم بعثكم يوم تُحشَرون إلى ربكم للحساب .
قرأ ابن كثير ، وحمزة ، والكسائي ، لتركبَن بفتح الباء والخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقرأ الباقون ، لتركبُنّ بضم الباء والخطاب للجميع .
{ لَتَرْكَبُنَّ } [ أي : ] أيها الناس { طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ } أي : أطوارا متعددة وأحوالا متباينة ، من النطفة إلى العلقة ، إلى المضغة ، إلى نفخ الروح ، ثم يكون وليدًا وطفلًا ، ثم مميزًا ، ثم يجري عليه قلم التكليف ، والأمر والنهي ، ثم يموت بعد ذلك ، ثم يبعث ويجازى بأعماله ، فهذه الطبقات المختلفة الجارية على العبد ، دالة على أن الله وحده هو المعبود ، الموحد ، المدبر لعباده بحكمته ورحمته ، وأن العبد فقير عاجز ، تحت تدبير العزيز الرحيم ،
{ لتركبن طبقا عن طبق } قرأ أهل مكة وحمزة والكسائي :{ لتركبن } بفتح الباء ، يعني لتركبن يا محمد . قال الشعبي ومجاهد : سماء بعد سماء . قال الكلبي : يعني تصعد فيها . ويجوز أن يكون درجة بعد درجة ورتبة بعد رتبة في القرب من الله تعالى والرفعة .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد ابن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا سعيد بن النضر ، أنبأنا هيثم ، أنبأنا أبو البشر عن مجاهد قال قال ابن عباس : " { لتركبن طبقاً عن طبق } حالاً بعد حال ، قال هذا نبيكم صلى الله عليه وسلم " . وقيل : أراد به السماء تتغير لوناً بعد لون ، فتصير تارة كالدهان وتارة كالمهل ، وتنشق بالغمام مرة وتطوى أخرى . وقرأ الآخرون بضم الباء ، لأن المعنى بالناس أشبه ، لأنه ذكر من قبل : { فأما من أوتي كتابه بيمينه } وشماله وذكر من بعد : { فما لهم لا يؤمنون } وأراد : لتركبن حالاً بعد حال ، وأمراً بعد أمر في موقف القيامة ، يعني : الأحوال تنقلب بهم ، فيصيرون في الآخرة على غير الحال التي كانوا عليها في الدنيا . وعن بمعنى بعد . وقال مقاتل : أي الموت ثم الحياة ثم الموت ثم الحياة . قال عطاء : مرة فقيراً ومرة غنياً . وقال عمرو بن دينار عن ابن عباس : يعني الشدائد وأهوال الموت ، ثم البعث ثم العرض . وقال عكرمة : حالاً بعد حال ، رضيع ثم فطيم ثم غلام ثم شاب ثم شيخ . وقال أبو عبيدة : لتركبن سنن من كان قبلكم وأحوالكم .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد ابن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن عبد العزيز ، أنبأنا أبو عمر الصنعاني من اليمن عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لتتعبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراعً ، حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم ، قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ " .
ولما كانت هذه الأمور عظيمة جداً لا يقدر عليها إلا الله تعالى{[72406]} ولها من المنافع ما لا-{[72407]} يعلمه حق علمه إلا هو سبحانه وتعالى ، وكل منها مع ذلك دال على تمام-{[72408]} قدرته تعالى على الذي يراد تقريره في العقول وإيضاحه من القدرة التامة على إعادة الشيء كما كان سواء ، ونفي الإقسام بها دليلاً{[72409]} على أن ذلك في غاية الظهور ، فالأمر فيه غني عن الإقسام ، قال في موضع جواب القسم مقروناً باللام الدالة على القسم ذاكراً ما هو في الظهور والبداهة بحيث لا يحتاج إلى تنبيه عليه بغيره ذكره{[72410]} : { لتركبن } أي أيها المكلفون - هذا على قراءة الجماعة بضم الباء دلالة على حذف واو-{[72411]} الجمع ، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بفتحها على أن الخطاب للانسان باعتبار اللفظ { طبقاً } مجاوزاً { عن طبق * } أي حالاً بعد حال من أطوار الحياة وأدوار العيش وغمرات الموت ثم من-{[72412]} أمور البرزخ وشؤون البعث ودواهي الحشر بدليل{[72413]} ما كان لكم قبل ذلك{[72414]} سواء بتلك القدرة التي كونت تلك الكوائن{[72415]} وأوجدت تلك العجائب سواء ، فتكونون في تمكن الوجود في كل طبق بحال التمكن على الشيء بالركوب ، وكل حال-{[72416]} منها مطابق للآخر في ذلك فإن الطبق ما يطابق غيره ، ومنه قيل للغطاء : طبق - لمطابقته المغطى ، والطبق كل ما ساوى شيئاً ووجه الأرض والقرن من الزمان أو عشرون سنة ، وكلها واضح الإرادة هنا وهو بديهي الكون ، فأول أطباق الإنسان جنين ، ثم وليد ، ثم رضيع ثم فطيم ، ثم يافع ، ثم رجل ، ثم شاب{[72417]} ، ثم كهل ، ثم شيخ ، ثم ميت ، {[72418]}وبعده{[72419]} نشر ثم حشر ثم حساب ثم وزن ثم صراط ثم مقرّ ، ومثل هذه الأطباق المحسوسة أطباق معنوية من الفضائل والرذائل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.