البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَتَرۡكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٖ} (19)

طبقاً عن طبق : حال بعد حال ، والطبق : ما طابق غيره ، وأطباق الثرى : ما تطابق منه ، ومنه قيل للغطاء الطبق . قال الأعرج بن حابس :

إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره *** وساقني طبق منه إلى طبق

وقال امرؤ القيس :

ديمة هطلاء فيها وطف *** طبق للأرض تجري وتذر

وقرأ عمر بن عبد الله وابن عباس ومجاهد والأسود وابن جبير ومسروق والشعبي وأبو العالية وابن وثاب وطلحة وعيسى والأخوان وابن كثير : بتاء الخطاب وفتح الباء .

فقيل : خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، أي حالاً بعد حال من معالجة الكفار .

وقال ابن عباس : سماء بعد سماء في الإسراء .

وقيل : عدة بالنصر ، أي لتركبن أمر العرب قبيلاً بعد قبيل وفتحاً بعد فتح كما كان ووجد بعد ذلك .

وقال الزمخشري : وقرىء { لتركبن } على خطاب الإنسان في { يا أيها الإنسان } .

وقال ابن مسعود المعنى : لتركبن السماء في أهوال القيامة حالاً بعد حال ، تكون كالمهل وكالدهان وتنفطر وتنشق ، فالتاء للتأنيث ، وهو إخبار عن السماء بما يحدث لها ، والضمير الفاعل عائد على السماء .

وقرأ عمر وابن عباس أيضاً : بالياء من أسفل وفتح الباء على ذكر الغائب .

قال ابن عباس : يعني نبيكم صلى الله عليه وسلم .

وقيل : الضمير الغائب يعود على القمر ، لأنه يتغير أحوالاً من إسرار واستهلال وإبدار .

وقال الزمخشري : ليركبن الإنسان .

وقرأ عمر وابن عباس أيضاً وأبو جعفر والحسن وابن جبير وقتادة والأعمش وباقي السبعة : بتاء الخطاب وضم الباء ، أي لتركبن أيها الإنسان .

وقال الزمخشري : ولتركبن بالضم على خطاب الجنس ، لأن النداء للجنس ، فالمعنى : لتركبن الشدائد : الموت والبعث والحساب حالاً بعد حال ، أو يكون الأحوال من النطفة إلى الهرم ، كما تقول : طبقة بعد طبقة .

قال نحوه عكرمة .

وقيل : عن تجىء بمعنى بعد .

وقيل : المعنى لتركبن هذه الأحوال أمة بعد أمة .

ومنه قول العباس بن عبد المطلب في رسول الله صلى الله عليه وسلم :

وأنت لما ولدت أشرقت الأر *** ض وضاءت بنورك الأفق

تنقل من صالب إلى رحم *** إذا مضى عالم بدا طبق

وقال مكحول وأبو عبيدة : المعنى لتركبن سنن من قبلكم .

وقال ابن زيد : المعنى لتركبن الآخرة بعد الأولى .

وقرأ عمر أيضاً : ليركبن بياء الغيبة وضم الباء .

قيل : أراد به الكفار لا بيان توبيخهم بعده ، أي يركبون حالاً بعد أخرى من المذلة والهوان في الدنيا والآخرة .

وقرأ ابن مسعود وابن عباس : لتركبن بكسر التاء ، وهي لغة تميم .

قيل : والخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، وقرىء بالتاء وكسر الباء على خطاب النفس ، وطبق الشيء مطابقة لأن كل حال مطابقة للأخرى في الشدة .

ويجوز أن تكون اسم جنس ، واحدة طبقة ، وهي المرتبة من قولهم : هم على طبقات .

و { عن طبق } في موضع الصفة لقوله : { طبقاً } ، أو في موضع الحال من الضمير في { لتركبن } .

وعن مكحول ، كل عشرين عاماً تجدون أمراً لم تكونوا عليه .