تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ٱسۡتِكۡبَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّيِّيِٕۚ وَلَا يَحِيقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا} (43)

لقد نفروا استكبارا في الأرض وأنفة من الخضوع للرسول الكريم وللدينِ الذي جاء به ، ومكروا مكرا سيئا ، ولا يحيط شرر المكر السيئ إلا بأهله الذين دبروه .

هل ينتظر هؤلاء المشركون إلا ما جرت به سنّة الله في الذين سبقوهم ، وسنّةُ الله في معاملة الأمم لن تتبدل ، ولن تتحول .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱسۡتِكۡبَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّيِّيِٕۚ وَلَا يَحِيقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا} (43)

وليس إقسامهم المذكور ، لقصد حسن ، وطلب للحق ، وإلا لوفقوا له ، ولكنه صادر عن استكبار في الأرض على الخلق ، وعلى الحق ، وبهرجة في كلامهم هذا ، يريدون به المكر والخداع ، وأنهم أهل الحق ، الحريصون على طلبه ، فيغتر به المغترون ، ويمشي خلفهم المقتدون .

{ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ } الذي مقصوده مقصود سيئ ، ومآله وما يرمي إليه سيئ باطل { إِلَّا بِأَهْلِهِ } فمكرهم إنما يعود عليهم ، وقد أبان اللّه لعباده في هذه المقالات وتلك الإقسامات ، أنهم كذبة في ذلك مزورون ، فاستبان خزيهم ، وظهرت فضيحتهم ، وتبين قصدهم السيئ ، فعاد مكرهم في نحورهم ، ورد اللّه كيدهم في صدورهم .

فلم يبق لهم إلا انتظار ما يحل بهم من العذاب ، الذي هو سنة اللّه في الأولين ، التي لا تبدل ولا تغير ، أن كل من سار في الظلم والعناد والاستكبار على العباد ، أن يحل به نقمته ، وتسلب عنه نعمته ، فَلْيَتَرَّقب هؤلاء ، ما فعل بأولئك .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱسۡتِكۡبَارٗا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّيِّيِٕۚ وَلَا يَحِيقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّيِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا} (43)

ولما كانوا قد جبلوا على الضلال ، وكان النفور قد يكون لأمر محمود أو مباح ، علله بقوله : { استكباراً } أي طلباً لإيجاد الكبر لأنفسهم { في الأرض } أي التي من شأنها السفول والتواضع والخمول { ومكر السيىء } أي ولأجل مكرهم المكر الذي من شأنه أن يسوء صاحبه وغيره ، وهو إرادتهم لإيهان أمر النبي صلى الله عليه وسلم وإطفاء نور الله ، وقراءة عبد الله { ومكراً سيئاً } يدل على أنه من إضافة الشيء إلى صفته ، وقراءة حمزة بإسكان الهمزة بنية الوقف إشارة إلى تدقيقهم المكر وإتقانه وإخفائه جهدهم { ولا } أي والحال أنه لا { يحيق } أي يحيط إحاطة لازمة ضارة { المكر السيىء } أي الذي هو عريق في السوء { إلا بأهله } وإن آذى غير أهله ، لكنه لا يحيط بذلك الغير ، وعن الزهري أنه قال : بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

" لا تمكروا ولا تعينوا ماكراً فإن الله يقول هذه الآية ، ولا تبغوا ولا تعينوا باغياً يقول الله { إنما بغيكم على أنفسكم } ولا تنكثوا ولا تعينوا ناكثاً قال الله : { ومن نكث فإنما ينكث على نفسه } " .

ولما كان هذا سنة الله التي لا تبديل لها ، قال مسبباً عن ذلك : { فهل ينظرون } أي ينتظرون ، ولعله جرد الفعل إشارة إلى سرعة الانتقام من الماكر المتكبر ، ويمكن أن يكون من النظر بالعين لأنه شبه العلم بالانتقام من الأولين مع العلم بأن عادته مستمرة ، لأنه لا مانع له منها لعظيم تحققه وشدة استيقانه وقوة استحضاره بشيء محسوس حاضر لا ينظر شيء غيره في ماض ولا آت لأن غيره بالنسبة إليه عدم . ولما جعل استقبالهم لذلك انتظاراً منهم له ، وكان الاستفهام إنكاريا ، فكان بمعنى النفي قال : { إلا سنت الأولين } أي طريقتهم في سرعة أخذ الله لهم وإنزال العذاب بهم .

ولما كان هذا النظر يحتاج إلى صفاء في اللب وذكاء في النفس ، عدل عن ضميرهم إلى خطاب أعلى الخلق ، تنبيهاً على أن هذا مقام لا يذوقه حق ذوقه غيره ، فسبب عن حصر النظر أو الانتظار في ذلك قوله ، مؤكداً لأجل اعتقاد الكفرة الجازم بأنهم لا يتغيرون عن حالهم وأن المؤمنين لا يظهرون عليهم : { فلن تجد } أي أصلاً في وقت من الأوقات { لسنت الله } أي طريقة الملك الأعظم التي شرعها وحكم بها ، وهي إهلاك العاصين وإنجاء الطائعين { تبديلاً } أي من أحد يأتي بسنة أخرى غيرها تكون بدلاً لها لأنه لا مكافئ له { ولن تجد لسنت الله } أي الذي لا أمر لأحد معه { تحويلاً * } أي من حالة إلى أخفى منها لأنه لا مرد لقضائه ، لأنه لا كفوء له ، وفي الآية أن أكثر حديث النفس الكذب ، فلا ينبغي لأحد أن يظن بنفسه خيراً ولا أن يقضي على غائب إلا أن يعلقه بالمشيئة تبرؤاً من الحول والقوة لعل الله يسلمه في عاقبته .