إنْ كل ذلك لمّا متاع الحياة : إنْ كل ذلك إلا متاع الحياة .
وما هذا كلّه إلا متاع قليلٌ زائل مقصور على الحياة الدنيا الفانية .
{ والآخرة عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }
أعدّها الله للذين أحسنوا واتقَوا وأخلصوا في إيمانهم .
روى الترمذي وابن ماجه عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو كانت الدنيا تَعْدل عند الله جناحَ بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء » .
قرأ عاصم وحمزة وهشام : لمّا متاع الحياة بتشديد ميم لما . والباقون : لما بالتخفيف .
ولجعل لهم { زخرفا } أي : لزخرف لهم دنياهم بأنواع الزخارف ، وأعطاهم ما يشتهون ، ولكن منعه من ذلك رحمته بعباده خوفا عليهم من التسارع في الكفر وكثرة المعاصي بسبب حب الدنيا ، ففي هذا دليل على أنه يمنع العباد بعض أمور الدنيا منعا عاما أو خاصا لمصالحهم ، وأن الدنيا لا تزن عند اللّه جناح بعوضة ، وأن كل هذه المذكورات متاع الحياة الدنيا ، منغصة ، مكدرة ، فانية ، وأن الآخرة عند اللّه تعالى خير للمتقين لربهم بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، لأن نعيمها تام كامل من كل وجه ، وفي الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، وهم فيها خالدون ، فما أشد الفرق بين الدارين " .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وزخرفا}، يقول: وجعلنا كل شيء لهم من ذهب.
{وإن كل ذلك}: وما كل الذي ذكر.
{لما} إلا {متاع الحياة الدنيا} يتمتعون فيها قليلا.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وَزُخْرُفا" يقول: ولجعلنا لهم مع ذلك زخرفا، وهو الذهب...
أحدهما: أن يكون معناه: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومن زخرف، فلما لم يكرّر عليه من نصب على إعمال الفعل فيه ذلك، والمعنى فيه: فكأنه قيل: وزخرفا يجعل ذلك لهم منه.
والوجه الثاني: أن يكون معطوفا على السرر، فيكون معناه: لجعلنا لهم هذه الأشياء من فضة، وجعلنا لهم مع ذلك ذهبا يكون لهم غنى يستغنون بها، ولو كان التنزيل جاء بخفض الزخرف لكان: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومن زخرف، فكان الزخرف يكون معطوفا على الفضة...
وقوله: "وَإنْ كُلّ ذلكَ لَمّا مَتاعُ الحَياةِ الدّنيْا "يقول تعالى ذكره: وما كلّ هذه الأشياء التي ذكرت من السقف من الفضة والمعارج والأبواب والسرر من الفضة والزخرف، إلا متاع يستمتع به أهل الدنيا في الدنيا.
"وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبّكَ لَلْمُتّقِينَ" يقول تعالى ذكره: وزين الدار الآخرة وبهاؤها عند ربك للمتقين، الذين اتقوا الله فخافوا عقابه، فجدّوا في طاعته، وحذروا معاصيه خاصة دون غيرهم من خلق الله.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{وَزُخْرُفاً} فيه ثلاثة أقاويل:
الثاني: الفرش ومتاع البيت، قاله ابن زيد.
الثالث: أنه النقوش، قاله الحسن...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
"والآخرة عند ربك للمتقين" وعد كريم وتحريض على التقوى إذ في الآخرة هو التباين في المنازل...
{وزخرفا} له تفسيران: (أحدها) أنه الذهب (والثاني) أنه الزينة، بدليل قوله تعالى: {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت}. فعلى التقدير الأول يكون المعنى ونجعل بهم مع ذلك ذهبا كثيرا، وعلى الثاني أنا نعطيهم زينة عظيمة في كل باب.
ثم بين تعالى أن كل ذلك متاع الحياة الدنيا، وإنما سماه متاعا لأن الإنسان يستمتع به قليلا ثم ينقضي في الحال، وأما الآخرة فهي باقية دائمة، وهي عند الله تعالى وفي حكمه للمتقين عن حب الدنيا المقبلين على حب المولى.
وحاصل الجواب أن أولئك الجهال ظنوا أن الرجل الغني أولى بمنصب الرسالة من محمد بسبب فقره، فبين تعالى أن المال والجاه حقيران عند الله، وأنهما شرف الزوال فحصولهما لا يفيد حصول الشرف والله أعلم...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
يعجل لهم بحسناتهم التي يعملونها في الدنيا مآكل ومشارب، ليوافوا الآخرة وليس لهم عند الله حسنة يجزيهم بها...
{وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} أي: هي لهم خاصة لا يشاركهم: فيها أحد غيرهم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
دل على ما لا يتناهى من غير ذلك بقوله: {وزخرفاً} أي ذهباً وزينة عامة كاملة. ولما كان لفظ الزخرف دالاً على كون ذلك أمراً ظاهرياً متلاشياً عند التحقيق، دل عليه بقوله مؤكداً لما تقرر في النفوس من أن السادة في مثل ذلك، وما كان مقرراً عندهم من أن السعيد في الأولى سعيد في الآخرة على تقدير كونها: {وإن} أي وما
{كل ذلك} أي الأمر البعيد عن الخير لكونه في الأغلب مبعداً مما يرضينا؛ ولأن صاحبه لا يزال فقيراً وإن استوسقت له الدنيا ملكاً وملكاً؛ لأنه لا بد أن يبقى في نفسه شيء لا تبلغه قدرته فهو لا يزال مغبوناً.
{لما} أي إلا -هذا على قراءة عاصم وحمزة بالتشديد: وهي في قراءة الباقين بالتخفيف فارقة بين النافية والمخففة، وما مؤكدة والخبر هو {متاع الحياة الدنيا} أي التي اسمها دال على دناءتها وأن لها ضرة هي الآخرة، وهو منقطع بالموت، فلذلك اقتضت رحمته أن لا يضيق على المؤمنين في الأغلب؛ لأن السعة تنقصهم في الآخرة ويطول الحساب.
{والآخرة} التي لا دار تعدلها بل لا دار الحقيقة إلى هي.
ولما كانت الإضافة إلى الجليل دالة على جلالة المضاف إليه فقال: {عند ربك} وأشار بالوصف بالرب إلى أن الجلالة بالحسن والراحة، وبالإضافة إليه صلى الله عليه وسلم في أعلى الغايات {للمتقين} أي الذين هم دائماً واقفون عن أدنى تصرف إلا بدليل لا يشاركهم فيها غيرهم، وهذا لما ذكر عمر رضي الله عنه كسرى وقيصر وما كانا فيه من النعم قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ألا ترضى أن يكون لهم الدنيا ولنا الأخرى".
ولا يبعد أن يكون ما صار إليه الفسقة من الجبابرة من زخرفة الأبنية وتركيب السقوف وغيرها من مساوئ الفتنة بأن يكون الناس أمة واحدة بالكفر قرب الساعة حتى لا تقوم الساعة على من يقول: الله، وفي زمن الدجال من يبقى إذ ذاك على الحق في غاية القلة، بحيث إنهم لا عداد لهم في جانب الكفرة؛ لأن كلام الملوك لا يخلو عن حقيقة، وإن خرج مخرج الشرط فكيف بملك الملوك.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
"والآخرة عند ربك للمتقين".. وهؤلاء هم المكرمون عند الله بتقواهم؛ فهو يدخر لهم ما هو أكرم وأبقى؛ ويؤثرهم بما هو أقوم وأغلى. ويميزهم على من يكفر بالرحمن، ممن يبذل لهم من ذلك المتاع الرخيص ما يبذله للحيوان!...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
«الزخرف» في الأصل بمعنى كل زينة مقترنة بالرسم والتصوير، ولما كان الذهب أحد أهم وسائل الزينة، فقد قيل له: زخرف.
" وزخرفا " الزخرف هنا الذهب ، عن ابن عباس وغيره . نظيره : " أو يكون لك بيت من زخرف " [ الإسراء : 93 ] وقد تقدم{[13635]} . وقال ابن زيد : هو ما يتخذه الناس في منازلهم من الأمتعة والأثاث . وقال الحسن : النقوش ، وأصله الزينة . يقال : زخرفت الدار ، أي زينتها . وتزخرف فلان ، أي تزين . وانتصب " زخرفا " على معنى وجعلنا لهم مع ذلك زخرفا . وقيل : ينزع الخافض ، والمعنى فجعلنا لهم سقفا وأبوابا وسررا من فضة ومن ذهب ، فلما حذف " من " قال : " وزخرفا " فنصب . " وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا " قرأ عاصم وحمزة وهشام عن ابن عامر " وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا " بالتشديد . الباقون بالتخفيف ، وقد ذكر هذا . وروي عن أبي رجاء كسر اللام من " لما " ، ف " ما " عنده بمنزلة الذي ، والعائد عليها محذوف ، والتقدير : وإن كل ذلك للذي هو متاع الحياة الدنيا ، وحذف الضمير ها هنا كحذفه في قراءة من قرأ " مثلا ما بعوضة فما فوقها " {[13636]} [ البقرة : 26 ] و " تماما على الذي أحسن " {[13637]} [ الأنعام : 154 ] . أبو الفتح : ينبغي أن يكون " كل " على هذه القراءة منصوبة ؛ لأن " إن " مخففة من الثقيلة ، وهي إذا خففت وبطل عملها لزمتها اللام في آخر الكلام للفرق بينها وبين " إن " النافية التي بمعنى ما ، نحو إن زيد لقائم ، ولا لام هنا سوى الجارة . " والآخرة عند ربك للمتقين " يريد الجنة لمن اتقى وخاف . وقال كعب : إني لأجد في بعض كتب الله المنزلة : لولا أن يحزن عبدي المؤمن لكللت رأس عبدي الكافر بالإكليل ، ولا يتصدع ولا ينبض منه عرق بوجع . وفي صحيح الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ] . وعن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء ) . وفي الباب عن أبي هريرة ، وقال : حديث حسن غريب . وأنشدوا :
فلو كانت الدنيا جزاءً لمحسن *** إذاً لم يكن فيها معاشٌ لظالمِ
لقد جاع فيها الأنبياءُ كرامةً *** وقد شبِعَتْ فيهَا بطونُ البهائمِ
تمتع من الأيام إن كنت حازما *** فإنك فيها بين ناهٍ وآمرِ
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه *** فما فاته منها فليس بضائرِ
فلا تَزِنُ الدنيا جناحَ بعوضة *** ولا وزن رَقّ من جناح لطائر
ودل على ما لا يتناهى من غير ذلك بقوله : { وزخرفاً } أي ذهباً وزينة عامة كاملة .
ولما كان لفظ الزخرف دالاً على كون ذلك أمراً ظاهرياً متلاشياً عند التحقيق ، دل عليه بقوله مؤكداً لما تقرر في النفوس من أن السادة في مثل ذلك ، وما كان مقرراً عندهم من أن السعيد في الأولى سعيد في الآخرة على تقدير كونها : { وإن } أي وما { كل ذلك } أي الأمر البعيد عن الخير لكونه في الأغلب مبعداً مما يرضينا ، ولأن صاحبه لا يزال فقيراً وإن استوسقت له الدنيا ملكاً وملكاً ، لأنه لا بد أن يبقى في نفسه شيء لا تبلغه قدرته فهو لا يزال مغبوناً { لما } أي إلا - هذا على قراءة عاصم وحمزة بالتشديد : وهي في قراءة الباقين بالتخفيف فارقة بين النافية والمخففة ، وما مؤكدة والخبر هو { متاع الحياة الدنيا } أي التي اسمها دال على دناءتها وأن لها ضرة هي الآخرة ، وهو منقطع بالموت ، فلذلك اقتضت رحمته أن لا يضيق على المؤمنين في الأغلب لأن السعة تنقصهم في الآخرة ويطول الحساب { والآخرة } التي لا دار تعدلها بل لا دار الحقيقة إلى هي .
ولما كانت الإضافة إلى الجليل دالة على جلالة المضاف إليه فقال : { عند ربك } وأشار بالوصف بالرب إلى أن الجلالة بالحسن والراحة ، وبالإضافة إليه صلى الله عليه وسلم في أعلى الغايات { للمتقين } أي الذين هم دائماً واقفون عن أدنى تصرف إلا بدليل لا يشاركهم فيها غيرهم ، وهذا لما ذكر عمر رضي الله عنه كسرى وقيصر وما كانا فيه من النعم قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا ترضى أن يكون لهم الدنيا ولنا الأخرى " ولا يبعد أن يكون ما صار إليه الفسقة من الجبابرة من زخرفة الأبنية وتركيب السقوف وغيرها من مساوئ الفتنة بأن يكون الناس أمة واحدة بالكفر قرب الساعة حتى لا تقوم الساعة على من يقول : الله ، وفي زمن الدجال من يبقى إذ ذاك على الحق في غاية القلة بحيث إنهم لا عداد لهم في جانب الكفرة لأن كلام الملوك لا يخلو عن حقيقة ، وإن خرج مخرج الشرط فكيف بملك الملوك .
{ وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين }
{ وزخرفاً } ذهباً ، المعنى لولا خوف الكفر على المؤمن من إعطاء الكافر ما ذكر لأعطيناه ذلك لقلة خطر الدنيا عندنا وعدم حظه في الآخرة في النعيم { وإن } مخففة من الثقيلة { كل ذلك لما } بالتخفيف فما زائدة ، وبالتشديد بمعنى إلا فإن نافية { متاع الحياة الدنيا } يتمتع به فيها ثم يزول { والآخرة } الجنة { عند ربك للمتقين } .