تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡـًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (10)

ثم بين الباعثَ على هذه النجوى بالشر والمزَيِّن لها فقال : { إِنَّمَا النجوى مِنَ الشيطان . . . . } ، إنما الحديث بالسّر والتناجي المثير للشكّ ، من وسوسةِ الشيطان وتزيينه ، ليدخلَ الحزنَ على قلوب المؤمنين ، لكنّ المؤمنين في حِصن من إيمانهم فلا يستطيع الشيطان أن يضرَّهم ، ولا تنالهم أية مضرّة إلا بمشيئة الله .

{ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون } ، في جميع أمورهم ، ولا يخافوا أحداً ما داموا محصّنين بالإيمان والاتكال على الله .

وقد ورد في الأحاديث الصحيحة النهيُ عن التناجي إذا كان في ذلك أذىً لمؤمن . عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إذا كنتم ثلاثةً فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه ، فإن ذلك يُحزِنه » رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡـًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (10)

{ 10 }{ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } .

يقول تعالى : { إِنَّمَا النَّجْوَى } أي : تناجي أعداء المؤمنين بالمؤمنين ، بالمكر والخديعة ، وطلب السوء من الشيطان ، الذي كيده ضعيف ومكره غير مفيد .

{ لِيَحزن الَّذِينَ آمَنُوا } هذا غاية هذا المكر ومقصوده ، { وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ } فإن الله تعالى وعد المؤمنين بالكفاية والنصر على الأعداء ، وقال تعالى : { وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ }فأعداء الله ورسوله والمؤمنين ، مهما تناجوا ومكروا ، فإن ضرر ذلك{[1013]}  عائد إلى أنفسهم ، ولا يضر المؤمنين إلا شيء قدره الله وقضاه ، { وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } أي : ليعتمدوا{[1014]}  عليه ويثقوا بوعده ، فإن من توكل على الله كفاه ، وتولى أمر دينه ودنياه{[1015]} .


[1013]:- كذا في ب، وفي أ: فإن ضررهم.
[1014]:- كذا في ب، وفي أ: يعتمدوا.
[1015]:- في ب: وكفاه أمر دينه ودنياه.
 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡـًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (10)

{ إنما النجوى من الشيطان } أي النجوى بالاثم والعدوان مما يزين الشيطان لهم { ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم } وليس الشيطان بضارهم { شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون } أي وإليه فليكلوا أمورهم .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡـًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (10)

فيه مسألتان :

الأولى- قوله تعالى : { إنما النجوى من الشيطان } أي من تزيين الشياطين{ ليحزن الذين آمنوا }إذا توهموا أن المسلمين أصيبوا في السرايا ، أو إذا أجروا{[14775]} اجتماعهم على مكايدة المسلمين ، وربما كانوا يناجون النبي صلى الله عليه وسلم فيظن المسلمون أنهم ينتقصونهم عند النبي صلى الله عليه وسلم { وليس بضارهم شيئا } أي التناجي { إلا بإذن الله } أي بمشيئته وقيل : بعلمه . وعن ابن عباس : بأمره . { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } أي يكلون أمرهم إليه ، ويفوضون جميع شؤونهم إلى عونه ، ويستعيذون به من الشيطان ومن كل شر ، فهو الذي سلط الشيطان بالوساوس ابتلاء للعبد وامتحانا ولو شاء لصرفه عنه .

الثانية- في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الواحد ) . وعن عبدالله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن يحزنه ) فبين في هذا الحديث غاية المنع ، وهي أن يجد الثالث من يتحدث معه كما فعل ابن عمر ، ذلك أنه كان يتحدث مع رجل فجاء آخر يريد أن يناجيه فلم يناجه حتى دعا رابعا ، فقال له وللأول : تأخرا وناجى الرجل الطالب للمناجاة . خرجه الموطأ . وفيه أيضا التنبيه على التعليل بقوله : ( من أجل أن يحزنه ) أي يقع في نفسه ما يحزن لأجله . وذلك بأن يقدر في نفسه أن الحديث عنه بما يكره ، أو أنه لم يروه أهلا ليشركوه في حديثهم ، إلى غير ذلك من أُلْقِيَات الشيطان وأحاديث النفس . وحصل ذلك كله من بقائه وحده ، فإذا كان معه غيره أمن ذلك ، وعلى هذا يستوي في ذلك كل الأعداد ، فلا يتناجى أربعة دون واحد ولا عشرة ولا ألف مثلا ، لوجود ذلك المعنى في حقه ، بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأوقع ، فيكون بالمنع أولى . وإنما خص الثلاثة بالذكر ؛ لأنه أول عدد يتأتى ذلك المعنى فيه . وظاهر الحديث يعم جميع الأزمان والأحوال ، وإليه ذهب ابن عمر ومالك والجمهور . وسواء أكان التناجي في مندوب أو مباح أو واجب فإن الحزن يقع به . وقد ذهب بعض الناس إلى أن ذلك كان في أول الإسلام ؛ لأن ذلك كان في حال المنافقين فيتناجى المنافقون دون المؤمنين ، فلما فشا الإسلام سقط ذلك . وقال بعضهم : ذلك خاص بالسفر في المواضع التي لا يأمن الرجل فيها صاحبه ، فأما في الحضر وبين العمارة فلا ، فإنه يجد من يعينه ، بخلاف السفر فإنه مظنة الاغتيال وعدم المغيث{[14776]} . والله أعلم .


[14775]:في ح، ز، هـ: "وإذا رأوا إجماعهم".
[14776]:في ح، ز، س، ل، هـ: "الغوث".
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡـًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (10)

ولما شدد سبحانه في {[63300]}أمر النجوى{[63301]} وكان لا يفعلها إلا أهل النفاق ، فكان ربما ظن ظان أنه يحدث عنها ضرر لأهل الدين ، قال ساراً للمخلصين و{[63302]}غاماً للمنافقين ومبيناً أن ضررها إنما يعود عليهم : { إنما النجوى } أي المعهودة وهي المنهي عنها ، وهي ما كره{[63303]} صاحبه أن يطلع{[63304]} عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل : ما خيله الشيطان من الأحكام المكروهة للإنسان { من الشيطان } أي مبتدئة{[63305]} من المحترق بطرده عن رحمة الله تعالى فإنه الحامل عليها بتزيينها ففاعلها تابع لأعدى أعدائه مخالفة لأوليائه .

ولما بين أنها منه ، بين الحامل له على تزيينها فقال : { ليحزن } أي الشيطان{[63306]} ليوقع الحزن في قلوب{[63307]} { الذين آمنوا } أي يتوهمهم أنهم بسبب شيء وقع مما يؤذيهم ، والحزن : هم غليظ وتوجع يرق له القلب ، حزنه وأحزنه بمعنى ، وقال في القاموس : أو أحزنه : جعله حزيناً ، وحزنه : جعل فيه حزناً .

فعلى هذا قراءة نافع{[63308]} من أحزن أشد في المعنى من قراءة الجماعة .

ولما كان ربما خيل هذا من في قلبه مرض أن في يد الشيطان شيئاً من الأشياء{[63309]} ، سلب{[63310]} ذلك بقوله : { وليس } أي الشيطان وما حمل{[63311]} عليه من التناجي ، وأكد النفي بالجار فقال : { بضارّهم } أي الذين آمنوا { شيئاً } من الضرر وإن قل وإن خفي - بما أفهمه الإدغام { إلا بإذن الله } أي تمكين الملك المحيط {[63312]}بكل شيء{[63313]} علماً وقدرة ، روى الشيخان{[63314]} عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه " ولما كان التقدير : فقد علم أنه لا يخشى أحد غير الله لأنه لا ينفذ إلا ما أراده ، فإياه فليخش المربوبون ، عطف عليه قوله : { وعلى الله } أي الملك الذي لا كفوء له ، لا على أحد غيره { فليتوكل المؤمنون } أي الراسخون في الإيمان في جميع أمورهم ، فإنه القادر وحده على إصلاحها وإفسادها ، ولا يحزنوا من أحد أن يكيدهم بسره ولا بجهره ، فإنه إذا توكلوا عليه وفوضوا أمورهم{[63315]} إليه ، لم يأذن في حزنهم ، وإن لم يفعلوا أحزنهم ، وخص الراسخين لإمكان ذلك منهم في العادة ، وأما أصحاب البدايات فلا يكون ذلك منهم إلا خرق عادة .


[63300]:- من ظ وم، وفي الأصل: أمرا.
[63301]:- من ظ وم، وفي الأصل: أمرا.
[63302]:- زيد من ظ وم.
[63303]:- من ظ وم، وفي الأصل ذكره.
[63304]:- من ظ وم، وفي الأصل: يتطلع.
[63305]:- في ظ وم: ممتدة.
[63306]:- سقط ما بين الرقمين من م.
[63307]:- سقط ما بين الرقمين من م.
[63308]:-راجع نثر المرجان 7/ 251.
[63309]:- زيد من ظ وم.
[63310]:- من ظ وم، وفي الأصل: سبب عن.
[63311]:من ظ وم، وفي الأصل: هو.
[63312]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[63313]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[63314]:راجع صحيح البخاري 2/ 931 وصحيح مسلم 2/ 219.
[63315]:- من م، وفي الأصل وظ: أمرهم.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡـًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (10)

قوله : { إنما النجوى من الشيطان } يعني إنما تصدر المناجاة أو المسارة بين المنافقين عقب تسويل الشيطان لهم ، فإنه لمن طبع الشيطان الخبيث أن يزين لأتباعه من الظالمين والمنافقين فعل المنكرات والمعاصي . وههنا يزين الشيطان اللعين للمنافقين أن يتناجوا بينهم بالشر والمكر والأذى { ليحزن الذين آمنوا } ، كانت المناجاة أو المسارة بين المنافقين تغيظ المسلمين أو تثير في نفوسهم الخوف والقلق والريبة ، إذ يتوهمون حصول المكاره لهم { وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله } أي أن التناجي بين المنافقين لا يضر المسلمين شيئا إلا أن يشاء الله ، فما يقع للمرء من أمر ولا حدث ولا خطب في الخير أو السوء إلا مما قدره له الله .

قوله : { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } على المؤمنين في كل الأحوال أن يعتمدوا على ربهم فيعولوا عليه تعويلا ، ويفوضوا أمرهم كله إليه فعليه الاعتماد والاستناد والتكلان{[4483]} .

وقد وردت السنة الكريمة بالنهي عن التناجي والمسارة إن علم المتناجون أن ذلك يحزن من كان بجانبهم من الناس ، فيتأذون أو يرتابون ويتوهمون . فقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما ، فإن ذلك يحزنه " وفي الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الواحد " يتبين من ذلك النهي عن التناجي بين اثنين في حضرة ثالث ، لما في ذلك من إحزان له أو إثارة للشك والقلق في نفسه . ويستوي في هذا النهي ما إذا كان المتناجون كثرة أو قلة ، ثلاثة أو عشرة أو ألفا ، فما ينبغي لهم أن يتناجوا في معزل عن واحد منهم وهو يراهم يتناجون ويتسارون ، فيقع في قلبه الخوف والارتياب منهم .


[4483]:الكشاف جـ 4 ص 74 وتفسير ابن كثير جـ 4 ص 324.