جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡـًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (10)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّمَا النّجْوَىَ مِنَ الشّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرّهِمْ شَيْئاً إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ } .

يقول تعالى ذكره : إنما المناجاة من الشيطان ، ثم اختلف أهل العلم في النجوى التي أخبر الله أنها من الشيطان ، أيّ ذلك هو ، فقال بعضهم : عُنِي بذلك مناجاة المنافقين بعضهم بعضا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنّمَا النّجْوَى مِن الشّيْطان لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا }كان المنافقون يتناجون بينهم ، وكان ذلك يغيظ المؤمنين ، ويكبر عليهم ، فأنزل الله في ذلك القرآن{ إنّمَا النّجْوَى مِن الشّيْطان لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارّهِمْ شَيْئا . . . }الآية .

وقال آخرون بما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله عزّ وجلّ : { إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشّيْطانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارّهِمْ شَيْئا إلاّ بإذْنِ اللّهِ }قال : كان الرجل يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله الحاجة ليرى الناس أنه قد ناجى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم لا يمنع ذلك من أحد ، قال : والأرض يومئذ حرب على أهل هذا البلد ، وكان إبليس يأتي القوم فيقول لهم : إنما يتناجون في أمور قد حضرت ، وجموع قد جمعت لكم وأشياء ، فقال الله : { إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشّيْطانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا . . . }إلى آخر الآية .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، قال : كان المسلمون إذا رأوا المنافقين خلوا يتناجون ، يشقّ عليهم ، فنزلت { إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشّيْطانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا } .

وقال آخرون : عُنِي بذلك أحلام النوم التي يراها الإنسان في نومه فتحزنه .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يحيى بن داود البلخي ، قال : سئل عطية ، وأنا أسمع الرؤيا ، فقال : الرؤيا على ثلاث منازل ، فمنها وسوسة الشيطان ، فذلك قوله : { إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشّيْطَانِ }ومنها ما يحدّث نفسه بالنهار فيراه بالليل ومنها كالأخذ باليد .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عُنِي به مناجاة المنافقين بعضهم بعضا بالإثم والعدوان ، وذلك أن الله جلّ ثناؤه تقدم بالنهي عنها بقوله { إذَا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بالإثْم والعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرّسُولِ } ، ثم عما في ذلك من المكروه على أهل الإيمان ، وعن سبب نهيه إياهم عنه ، فقال : { إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشّيْطانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا } ، فبين بذلك إذ كان النهي عن رؤية المرء في منامه كان كذلك ، وكان عقيب نهيه عن النجوى بصفة أنه من صفة ما نهى عنه .

وقوله : { وَلَيْسَ بِضَارّهِمْ شَيْئا إلاّ بإذْنِ اللّهِ }يقول تعالى ذكره : وليس التناجي بضارّ المؤمنين شيئا إلا بإذن الله ، يعني بقضاء الله وقَدَره .

وقوله : { وَعَلى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ المُوءْمِنُونَ }يقول تعالى ذكره : وعلى الله فليتوكل في أمورهم أهل الإيمان به ، ولا يحزنوا من تناجي المنافقين ومن يكيدهم بذلك ، وأن تناجيهم غير ضارّهم إذا حفظهم ربهم .