قوله تعالى : { إِنَّمَا النجوى مِنَ الشيطان لِيَحْزُنَ الذين آمَنُواْ } ، تقدم قراءتنا «ليحزن » بالضم والفتح في «آل عمران » [ آل عمران 176 ] .
وقرئ{[55698]} : «بفتح الياء والزاي » على أنه مسند إلى الموصول بعده ، فيكون فاعلاً .
قال ابن الخطيب{[55699]} : الألف واللام في لفظ «النجوى » لا يمكن أن يكون للاستغراق ؛ لأن في «النجوى » ما يكون من الله ولله ، بل المراد منه : المعهود السابق ، وهو النجوى بالإثم ليحزن المؤمنين إذا رأوهم متناجين .
قال المفسرون{[55700]} : معنى قوله تعالى : { إِنَّمَا النجوى مِنَ الشيطان لِيَحْزُنَ الذين آمَنُواْ } وتوهموا أن المسلمين أصيبوا في السَّرايا ، أو إذا رأو اجتماعهم على مكايدة المسلمين ، وربما كانوا يناجون النبي صلى الله عليه وسلم فيظن المسلمون أنهم ينتقصونهم عند النبي صلى الله عليه وسلم { وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ } أي : التناجي { شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ الله } أي : بمشيئته .
وعن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - بأمره .
{ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون } أي : يكلون أمرهم إليه ، ويفوضون [ جميع ] {[55701]} شئونهم إلى عونه .
روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إذَا كَانَ ثلاثةٌ فَلا يَتَنَاجَى اثْنانِ دُونَ الواحدِ »{[55702]} .
وعن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذَا كَانَ ثَلاثَةٌ فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الآخَرِ حتَّى يَخْتلطُوا بالنَّاسِ من أجْلِ أنْ يُحْزِنَهُ »{[55703]} .
فبين في هذا الحديث غاية المنع ، وهو أن يجد الثالث من يتحدث معه كما فعل ابن عمر ، وذلك أنه كان يتحدث مع رجل ، فجاء آخر يريد أن يناجيه فلم يُناجِهِ حتى دعا رابعاً ، فقال له وللأول : تأخَّرا وناجى الرجل الطَّالب للمناجاة . خرجه في «الموطأ »{[55704]} ونبه فيه على العلة بقوله : «مِنْ أجْلِ أن يُحْزِنَهُ » أي : يقع في نفسه ما يحزن لأجله ، وذلك بأن يقدر في نفسه أن الحديث عنه بما يكره ، أو أنهم لم يروه أهلاً بأن يشركوه في حديثهم ، إلى غير ذلك من ألقيات الشيطان ، وأحاديث النفس ، ويحصل ذلك كله من بقائه وحده ، فإذا كان معه غيره أمن ذلك ، وعلى هذا يستوي في ذلك كل الأعداد ، فلا يتناجى أربعة دون واحد ، ولا عشرة ولا ألف مثلاً ، لوجود ذلك المعنى في حقه ، بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأوقع ، فيكون بالمنع أولى ، وإنما خص الثلاثة بالذكر ؛ لأنه أول عدد يتأتى ذلك فيه .
قال القرطبي{[55705]} : «وظاهر الحديث يعم جميع الأزمان والأحوال » .
وذهب إليه ابن عمر ومالك والجمهور ، وسواء كان التناجي في مندوب ، أو مباح ، أو واجب فإن الحزن يقع به .
وقد ذهب بعض الناس إلى أن ذلك في أول الإسلام ؛ لأن ذلك كان حال المنافقين ، فيتناجى المنافقون دون المؤمنين ، فلما فشا الإسلام سقط ذلك .
وقال بعضهم : ذلك خاصّ بالسفر ، وفي المواضع التي لا يأمن الرجل فيها صاحبه ، فأما في الحضر وبين العمارة فلا ؛ لأنه يجد من يعينه ، بخلاف السفر فإنه مظنَّة الاغتيال وعدم الغوث ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.