تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡـًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (10)

الآية10 : وقوله تعالى : { إنما النجوى من الشيطان } أي نجوى الذين كانوا يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ؛ ليس كل نجوى على ظاهر ما يخرج الخطاب عاما ، ولكن يرجع إلى ( أمر ) {[20836]} النجوى الذي نهوا عنه .

ثم قوله تعالى : { إنما النجوى من الشيطان } جائز أن يكون معناه ابتداء النجوى في الشر من الشيطان ، وهو ما ذكر في بعض القصة : أن الله تعالى لما خلق آدم عليه السلام قال إبليس للملائكة : أرأيتم إن فضل هو عليكم ما تصفون ؟ فأجابوه بما أجابوا /557 ب/ فقال هو : إن فضلت عليه لأهلكنه ، وإن فضل هو علي لأعادينه ، فقد جاءهم في أمر آدم عليه السلام بالشر فكان أول النجوى في الشر من الشيطان .

وقوله تعالى : { ليحزن الذين آمنوا } لولا أن الشيطان في حال الحزن{[20837]} يكون أملك على فسادهم وإخراجهم من أمر الله تعالى وإدخالهم في نهيه ، وإلا لم يكن لقوله : { إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا } معنى ، فدل أنه لعنه الله في حال الحزن والغضب أملك وأقدر من حال السرور والسعة . لكنه بما يدعوه إلى اللذات ، ويمنيه أشياء ، كان قصده من ذلك أن يوقعه في الضيق والشدة لما هو عليه أقدر في تلك الحال .

ولذلك قال لآدم وحواء عليهما السلام : { هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى } { طه : 120 } تلقاهما{[20838]} بالغرور الذي ذكر ، ومناهما{[20839]} بما ذكر ، وكان قصده من ذلك إبداء عوراتهما وإيقاعهما في الضيق والبلاء حين{[20840]} قال : { فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما } الآية { طه : 121 } ، مكن الله تعالى إبليس من الشر بالذي ذكرنا ، ولم يمكن له من إفساد الطعام واللباس والأشربة ونحو ذلك ، وهو دون الأول ، وذلك أكثر . لكن هذا في الضرر الدنياوي أكثر ، فلم يمكنه من إفساد هذه الأشياء تفضلا منه وإحسانا إليهم والله اعلم .

وقوله تعالى : { وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله } أي ليسوا بضارين في ما يتناجون من الكيد بهم والمكر ، والله اعلم .

ثم قال : { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } أي في دفع من قصد الكيد بهم والمكر والهلاك ، وعليه يتوكلون في النصر لهم والمعونة على أعدائهم والتوفيق لهم في كل خير . وكل هذا وصف المؤمنين .

وأما المعتزلة فهم بمعزل عن هذه الآية ، وكذلك المؤمنون على قولهم غير متوكلين على الله لأنهم يقولون : إن الله قد أعطى كلا من النصر والمعونة ما ينتصر على أعدائه ، وينتقم منهم حتى { لم يبق } {[20841]} عنده مزيد لما ينصرهم ، ويعينهم على شيء .

فعلى قولهم : لا يقع للمؤمنين في التوكل على الله تعالى شيء فليس عنده ما ينصرهم ولا ما يعينهم ، فعلى ماذا يتوكلون عليه على قولهم إذ لم { يعطهم } {[20842]} ما ذكرنا ؟ .

ومن قولهم : أن على الله تعالى أن يعطي من المعونة والتوفيق حتى لا يبقى عنده مزيد حتى لو منع شيئا من ذلك لم يعطهم يكون جائرا ، ثم إذا أعطاهم ما ذكروا لا يهتدون ، ولا ينتصرون .

والله تعالى قال : { إن ينصركم الله فلا غالب لكم } { آل عمران : 160 } وقال : { من يهد الله فهو المهتدي } { الأعراف : 178 } فدل أن ما قالوا مخالف للكتاب .

ثم اختلفوا في اشتقاق النجوى : منهم من قال : هو من النجوة ، وهو المكان العالي المرتفع وذلك أنهم كانوا يقومون في مكان مرتفع ، فيتحدثون فيه ، ليروا من قصدهم ، فيفرقوا ، أو كلام هذا معناه .

ومنهم من قال : التناجي التحاكي بما ذكروا ، فيكون معنى قوله : { إذا تناجيتم } إذا تحاكيتم ، { فلا تتناجوا } فلا تتحاكوا بما ذكر .

وقال القتبي : التناجي من التشاور والله اعلم .


[20836]:ساقطة من الأصل وم
[20837]:في الأصل وم:يحزن
[20838]:في الأصل وم: تلقاهم
[20839]:في الأصل وم: ومناهم
[20840]:في الأصل وم: حيث
[20841]:في الأصل وم لا يبقى
[20842]:ساقطة من الأصل وم