التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡـًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (10)

قوله : { إنما النجوى من الشيطان } يعني إنما تصدر المناجاة أو المسارة بين المنافقين عقب تسويل الشيطان لهم ، فإنه لمن طبع الشيطان الخبيث أن يزين لأتباعه من الظالمين والمنافقين فعل المنكرات والمعاصي . وههنا يزين الشيطان اللعين للمنافقين أن يتناجوا بينهم بالشر والمكر والأذى { ليحزن الذين آمنوا } ، كانت المناجاة أو المسارة بين المنافقين تغيظ المسلمين أو تثير في نفوسهم الخوف والقلق والريبة ، إذ يتوهمون حصول المكاره لهم { وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله } أي أن التناجي بين المنافقين لا يضر المسلمين شيئا إلا أن يشاء الله ، فما يقع للمرء من أمر ولا حدث ولا خطب في الخير أو السوء إلا مما قدره له الله .

قوله : { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } على المؤمنين في كل الأحوال أن يعتمدوا على ربهم فيعولوا عليه تعويلا ، ويفوضوا أمرهم كله إليه فعليه الاعتماد والاستناد والتكلان{[4483]} .

وقد وردت السنة الكريمة بالنهي عن التناجي والمسارة إن علم المتناجون أن ذلك يحزن من كان بجانبهم من الناس ، فيتأذون أو يرتابون ويتوهمون . فقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما ، فإن ذلك يحزنه " وفي الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الواحد " يتبين من ذلك النهي عن التناجي بين اثنين في حضرة ثالث ، لما في ذلك من إحزان له أو إثارة للشك والقلق في نفسه . ويستوي في هذا النهي ما إذا كان المتناجون كثرة أو قلة ، ثلاثة أو عشرة أو ألفا ، فما ينبغي لهم أن يتناجوا في معزل عن واحد منهم وهو يراهم يتناجون ويتسارون ، فيقع في قلبه الخوف والارتياب منهم .


[4483]:الكشاف جـ 4 ص 74 وتفسير ابن كثير جـ 4 ص 324.