سورة البقرة أول سورة نزلت بالمدينة ، عدد آياتها مئتان وست وثمانون .
من أوائل ما نزل بعد الهجرة ، وهي أطول سورة في القرآن ، إذ استغرقت جزئين ونصف جزء ، وبلغ عدد آياتها ستا وثمانين ومائتي آية .
وقد سميت بهذا الإسم لأنها انفردت بذكر حادثة قتل وقعت في بني إسرائيل على عهد موسى عليه السلام ، وكان للبقرة فيها شأن عجيب .
وقد ابتدأت هذه السورة بتفصيل ما انتهت إليه سورة الفاتحة ، فذكرت أن القرآن هو مصدر الهدى ، ذلك الكتاب لا ريب فيه . وبينت بالتفصيل من هم الذين أنعم الله عليهم بالرضا ، والآخرين الذين غضب الله عليهم من الكفار والمنافقين .
وقد تحدثت السورة عن صدق القرآن ، وأن دعوته حق لا ريب فيها .
وبعد أن بيّنت أصناف الناس الثلاثة : المؤمنين ، والكافرين ، والمنافقين- تحدثت عن الدعوة إلى عبادة الله وحده ، وعن إنذار الكافرين وتبشير المؤمنين . ثم إنها خصت بني إسرائيل بالدعوة والمراجعة ، وذكّرتهم بأيام الله وبحوادثهم مع موسى ، وبإبراهيم وإسماعيل وبنائهما الكعبة . وقد استغرق ذلك نحو نصف السورة ، لكنه تخلله حديث موجه إلى المؤمنين للاعتبار بما حدث لليهود والنصارى .
ثم انتقل الحديث إلى خطاب المسلمين بذكر ما هو مشترك بينهم وبين قوم موسى من فضل إبراهيم وهدايته ونسبه . بعد ذلك جاء الحديث عن القِبلة وتحويلها عن القدس ، واحتجاج أهل الكتاب على ذلك والرد عليهم ، كما جاء ذكر التوحيد والتذكير بآيات الله الدالة عليه ، ثم ذكر الشرك والمحرّم من الطعام على أساس أن التحرم والتحليل من حق الله وحده .
كذلك تعرضت سورة البقرة لبيان أصول البر بتفصيل عظيم ، وبينت بعض التشريع ، مع أحكام الصيام ، والوصية ، وأكل أموال الناس بالباطل ، والقتال والقتل ، والقصاص ، والحج ، والخمر والميسر ، والنكاح ، والطلاق ، والرضاع ، والعِدة ، وغيرها . كما تعرضت للحديث عن العقائد العامة كالرسالة ، والتوحيد ، والبعث ، وتحدثت عن الإنفاق ، والربا ، والتجارة ، وكتابة الدّين . ثم خُتمت السورة بدعاء من المؤمنين لربهم .
هذا مجمل لمحتوى السورة ، يمكن اعتباره تلخيصا وتعدادا .
من هذا نرى أن سورة البقرة من أجمع السور ، فقد احتوت على أصول العقيدة ، وعلى كثير من أدلة التوحيد ، كما ذكرت مبدأ خلق الإنسان ، ثم وجهت عنايتها إلى أمرين اقتضت الإفاضة فيهما حالة المسلمين عقب هجرتهم من مكة إلى المدينة . . .
أحدهما : أن المسلمين تركّزوا جماعة مستقلة في المدينة ، حيث بنى النبي مسجده لأداء الصلوات المفروضة ، وليكون بمثابة ندوة جامعة لهم ، فهو مدرستهم ومحكمتهم ودار شوارهم . وذلك بعد أن آخى النبي بين المهاجرين والأنصار ، وصاروا جبهة مؤمنة واحدة تحتاج إلى تشريع تنظم به شئونها .
وثانيهما : أن هجرتهم جعلت لهم جوارا في المدينة غير جوارهم في مكة ، فهم الآن جيران اليهود بعد أن كانوا جيران المشركين من العرب .
بهذين الأمرين نجد أن السورة تهدف إلى غرضين رئيسَين غير ما سبق .
الأول : توجيه الدعوة إلى الجيران الجدد ومناقشتهم فيما كانوا يثيرونه حول رسالة محمد من تشكيك وشُبه .
والثاني : التشريع الذي اقتضته صيرورة المسلمين جماعة متميزة عن غيرها في عبادتها ومعاملاتها .
وقد تضمنت هذه السورة عدة قواعد منها :
أن اتّباع سبيل الله وإقامة دينه هما الموجبان للسعادة في الدنيا والآخرة ، وأنه لا يليق بعاقل أن يدعو إلى البر والفضيلة وينسى نفسه ، بل يجب إيثار الخير على الشر في كل حال . وأن أصول الدين ثلاثة وهي : الإيمان بالله ورسوله ، والإيمان بالبعث ، والعمل الصالح .
أما الجزاء فهو على الإيمان والعمل معا .
وأما شرط الإيمان فهو الإذعان النفسي والتسليم بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .
أما الولاية العامة الشرعية فيجب أن تكون لأهل الإيمان والعدل وحدهم . ويستعان على تحقيق الأمور الجليلة بالصبر والصلاة ، وبهما تنتصرُ القلة على الكثرة .
وبصدد ما أحله الله لعباده وما حرمه ، فقد أحل لهم الطيبات من المطعم ، وحرّم أشياء خبيثة محدودة . ومع ذلك فإن المحرّمات تباح للمضطر ، لأن الضرورات تبيح المحظورات ، وتقدّر بقدْرها . فالدين مبني على اليسر ورفع الحرج ، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها .
أما الإكراه في الدين فهو ممنوع ، فيما القتال مشروع للدفاع ، ولتأمين حرية الدين ، وسيادة الإسلام في مجتمعه .
وأن للمسلم أن يطلب حظه من الدنيا ، كما يؤدي واجبه نحو الآخرة . وأن سدّ الذرائع وتقرير المصالح من مقاصد الشريعة . والإنسان في الإسلام مجزي بعمله لا بعمل غيره ، فإذا كان في الأديان دين يجتبي القبيلة بنسبها أو المرء بمولده في أمة معينة ، أو يحاسبه على خطيئته يزعم توارثها ، فليس في الإسلام إنسان ينجو بالميلاد أو يهلك بالميلاد ، ولكنه الدين الذي ترتبط فيه النجاة والهلاك بسعي المرء وعمله ، { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } النجم : 39 .
بدئت سورة البقرة بهذه الحروف الثلاثة ، وهي تُقرأ حروفاً مفرّقة ، لا لفظة واحدة ، وفي القرآن عدة سور بدئت بحروف على هذا النحو ، منها : البقرة ، وآل عمران مدنيّتان ، والباقي سور مكيّة .
وقد جاءت بدايات هذه السوَر على أنواع : منها ما هو حرف واحد ، مثل : «ص . والقرآنِ ذي الذِكر » ، «ق . والقرآن المجيد » ، «ن . والقلمِ وما يسطُرون » ، ومنها ما هو حرفان ، مثل : «طه ما أنزلنا عليكَ القرآن لتشقى » ، «يس والقرآنِ الحكيم » ، «حم تنزيلُ الكتاب من اللهِ العزيزِ الحكيم » ، ومنها ما هو ثلاثة أحرف أو أكثر ، مثل : «ألم » ، «المص » ، «كهيعص » ، و «حم عسق » الخ .
وهذه الحروف أربعة عشر حرفاً ، جمعها بعضهم في عبارة «نصٌّ حكيم قاطع له سر » .
والعلماء في تفسير معنى هذه الحروف فريقان :
فريق يرى أنها مما استأثر الله بعلمه . ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم المراد منها ، فالله أعلم بمراده .
وفريق يقول : لا يجوز أن يرد في كتاب الله ما ليس مفهوماً للخلْق . وهؤلاء اختلفوا في تفسير هذه الحروف اختلافاً كثيرا . فبعضهم يقول إنها أسماء للسور التي بدئت بها ، وبعضهم يعتبرها رموزاً لبعض أسماء الله تعالى أو صفاته ، فالألف مثلاً إشارة إلى أنه تعالى «أحد ، أول ، آخر ، أبدي ، أزلي » ، واللام مثلا إشارة إلى أنه «لطيف » ، والميم إلى أنه «ملك ، مجيد ، منان » الخ . .
أما الرأي الأشهر الذي اختاره المحققون فهو أنها حروف أنزلت للتنبيه على أن القرآن ليس إلا من هذه الحروف ، وفي متناول المخاطَبين به من العرب ، فهو يتحداهم أن يصوغوا من تلك الحروف مثله ، وهم أمراء الكلام ، واللغةُ لغتهم هم .
من هذه الحروف يصوغ البشر كلاما وشعرا ، ومنها يجعل الله قرآنا معجزاً ، فما أعظم الفرق بين صنع البشر وصنع الله !
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.