سورة الفاتحة مكية ، آياتها سبع ، نزلت بعد المدثر .
لا يكاد يوجد في المسلمين من لا يحفظ سورة الفاتحة . فالمسلمون يقرأونها في صلواتهم ، ويترحّمون بها على أمواتهم ، ويتبركون بتلاوتها عند كل مناسبة . وإذا كان لأهل كل دين شعار فشعار أهل الإسلام بعد الشهادتين فاتحة الكتاب .
وسورة الفاتحة مكية ، على اختلاف في ذلك . وقد سُميت الفاتحة لأنها أول سورة في كتابة المصاحف وأول سورة نزلت بتمامها في القرآن ، والسورة التي تُفتتح بها الصلاة ، وهي تشتمل على جميع ما في القرآن من مقاصد .
ومقاصد القرآن هي : بيان التوحيد ، وبيان الوعد والبشرى للمؤمن المحسن ، والوعيد والإنذار للجاحد والمسيء ، وبيان العبادة طريقِ السعادة في الدنيا والآخرة ، وقصص الذين أطاعوا الله وفازوا ، والذين عصوه فخابوا .
وتشتمل الفاتحة على هذه المقاصد ، لذلك سميت أم الكتاب ، وأم القرآن ، كما سميت السبع المثاني ، لأن المؤمن يكررها على مرور الأوقات وتثنّى .
ويبسُط المفسرون القول في تفسير الفاتحة ويفصّلونه تفصيلا ، وقد أفرد كثير منهم تفسير الفاتحة بالتأليف قديما وحديثا ، وذلك لما لها من الأهمية وعظم المنزلة عند المسلمين .
والاستعاذة ليست جزءا من الفاتحة ، ولا من القرآن ، وليست مدوّنة في المصحف الشريف ، وإنما يفتتح بها المسلمون التلاوة اتباعا لقوله تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } ( النحل : 45 ) . والتعوذ مستحب لكل قراءة عند الجمهور ، سواء في الصلاة أو في غيرها .
والشيطان في كلام العرب : كل عات ومتمرد من الإنس والجن والدواب وكل شيء . وقال " الراغب " في كتاب " المفردات في غريب القرآن " : وسمي كل خلق ذميم للإنسان شيطانا ، فقال عليه السلام : ( الحسد شيطان والغضب شيطان ) ، ويقول تعالى : { وإذا خلوا إلى شياطينهم } البقرة : 14 . أي أصحابهم المتمردين ، و{ إن الشياطين لَيوحون إلى أوليائهم } الأنعام 121 .
ومعنى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : أستجير بالله دون غيره من أن يضرني الشيطان في ديني أو يصدّني عن حق ربي .
الرجيم : المرجوم المطرود من الخيرات وعن منازل الملأ الأعلى . قال الفخر الرازي : " إن سرّ الاستعاذة هو الالتجاء إلى قادر يدفع الآفات عنك ، ثم إن أجلّ الأمور التي يلقي الشيطان وسوسته فيها قراءة القرآن ، لأن من قرأ القرآن ونوى به عبادة الرحمن . . . ازدادت رغبته في الطاعات وعن المحرمات ، فلهذا السبب صارت قراءة القرآن من أعظم الطاعات ، فلا جرم أن يكون سعي الشيطان في الصدّ عنه أبلغ ، واحتياج العبد إلى من يصونه عن شر الشيطان أشد ، فلهذه الحكمة اختصت قراءة القرآن بالاستعاذة " .
والفاتحة سبع آيات بالاتفاق ، إلا أن منهم من عد { اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم } آية واحدة ، والبسملة آية . ومنهم من عد { اهدنا الصراط المستقيم } آية ، و{ صراط الذين أنعمت عليهم } آية ، ولم يعدَّ التسمية كذلك .
أجمع المسلمون على أن ما في المصحف الشريف كلام الله سبحانه وتعالى ، واتفقوا على إثبات { بسم الله الرحمن الرحيم } في المصاحف . واختلفوا : فقال قراء مكة والكوفة وفقهاؤهما هي آية من كل سورة ، وقال قراء المدينة والبصرة والشام فقهاؤها : البسملات تيجانٌ لسور القرآن وليست البسملة بآية من كل سورة .
وقال كثير من العلماء إنها آية من الفاتحة ، ومن كل سورة عدا سورة براءة ، لثبوتها في المصحف الإمام ، الذي كتب بيد الصحابة الكرام . وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر ) أي ناقص . وهذا الحديث رواه أبو داود عن أبي هريرة .
ويقول الأستاذ الشيخ محمد عبده : افتتاح القرآن بهذه الكلمة إرشاد لنا أن نفتتح أعمالنا بها . . . فإنها مطلوبة لذاتها . والمعنى : إنني أعمل عملا متبرئا من أن يكون باسمي بل هو باسمه تعالى ، لأنني أستمد القوة منه وأرجو إحسانه عليه . . .
ومعنى البسملة في الفاتحة أن جميع ما يقرّر من الأحكام والآيات هو لله ، ومنه ، وليس لأحد غير الله فيه شيء .
الرحمن الرحيم : صفتان لله تعالى تدلاّن على مبدأ الرحمة ، والأولى خاصة به تعالى لا يوصف بها غيره ، وتدل على من تصدر عنه آثار الرحمة ، وهي إفاضة النعم والإحسان . أما لفظة الرحيم فتدل على منشأ هذه الرحمة والإحسان ، ويجوز أن يوصف بها غير الله تعالى ، { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم ، حريص عليكم ، بالمؤمنين رؤوف رحيم } التوبة : 128 .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.