قوله تعالى : " وما يستوي الأحياء ولا الأموات " قال ابن قتيبة : الأحياء العقلاء ، والأموات الجهال . قال قتادة : هذه كلها أمثال ، أي كما لا تستوي هذه الأشياء كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن . " إن الله يسمع من يشاء " أي يسمع أولياءه الذين خلقهم لجنته . " وما أنت بمسمع من في القبور " أي الكفار الذين أمات الكفر قلوبهم ، أي كما لا تسمع من مات ، كذلك لا تسمع من مات قلبه . وقرأ الحسن وعيسى الثقفي وعمرو بن ميمون : " بمسمع من في القبور " بحذف التنوين تخفيفا ، أي هم بمنزلة أهل القبور في أنهم لا ينتفعون بما يسمعونه ولا يقبلونه .
ولما كان المظهر لذلك كله الحياة ، قدمها فقال مثالاً آخر للمؤمنين ، ولذلك أعاد الفعل وهو فوق التمثيل بالأعمى والبصير ، لأن الأعمى يشارك البصير في بعض الإدراكات ، وصار للمؤمن والكافر مثالان ليفيد الأول نفي استواء الجنس بالجنس مع القبول للحكم على الأفراد ، والثاني بالعكس وهو للنفي في الأفراد مع القبول للجنس : { وما يستوي الأحياء } أي لأن منهم الناطق والأعجم ، والذكي والغبي ، والسهل والصعب ، فلا يكاد يتساوى حيان في جميع الخلال { ولا الأموات } أي الذين هم مثال للكافرين في صعوبة الموت وسهولته والبلى وغيره مما يخفى ولا يقر به الكفار من الشقاوة والسعادة .
ولما كان ما ذكر على هذا الوجه - من وضوح الدلالة على الفعل بالاختيار وعلى ضلال من أشرك به شيئاً لأنه لا يشابهه شيء - بمكان ليس معه خفاء ، ومن الإحكام بحيث لا يدانيه كلام يعجب السامع ممن يأباه ، فقال مزيلاً عجبه مقرراً أن الخشية والقسوة إنما هما بيده ، وأن الإنذار إنما هو لمن قضى بانتفاعه ، مسلياً لنبيه صلى الله عليه وسلم ، مؤكداً رداً على من يرى لغيره سبحانه فعلاً من خير أو شر : { إن الله } أي القادر على المفاوتة بين هذه الأشياء وعلى كل شيء بما له من الإحاطة بصفات الكمال ، وعبر بالفعل إشارة إلى القدرة على ذلك في كل وقت أراده سبحانه فقال : { يسمع من يشاء } أي فيهديه ولو لم يكن له قابلية في العادة كالجمادات ، ويصم ومن يشاء فيعميه وينكسه ويرديه من أحياء القلوب والأرواح ، وأموات المعاني والأشباح ، والمعنى أن إسماعهم لو كان مستنداً إلى الطبائع لاستووا إما بالإجابة أو الإعراض لأن نسبة الدعوة وإظهار المعجزة إليهم على حد سواء ، فالآية تقرير آية { إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب } .
ولما كان المعرض قد ساوى الميت في حاله التي هي عدم الانتفاع بما يرى ويسمع من الخوارق ، فكان كأنه ميت ، قال معبراً بالإسمية تنبيهاً على عدم إثبات ذلك له صلى الله عليه وسلم : { وما أنت } أي بنفسك من غير إقدار الله لك ، وأعرق في النفي فقال : { بمسمع } أي بوجه من الوجوه { من في القبور * } أي الحسية والمعنوية ، إسماعاً ينفعهم بل الله يسمعهم إن شاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، والآية دليل على البعث .
قوله : { وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ } الأحياء مثلٌ للمؤمنين فقد أحيا الله بصائرهم بنور الإيمان ، وأرشدهم إلى ما فيه الهداية والسداد ، وألهمهم الخير والرشد والصواب . وأما الأموات فهم مثل للكافرين الخاسرين ؛ فإن قلوبهم كزَّة وغُلْف لا يفضي إليها الإيمان بما خُتم عليها . وهذان الصنفان من الأناسي لا يستويان . بل إنهما مختلفان اختلافا ظاهرا وكبيرا .
قوله : { إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ } الله يُسمع آياته وحججه وعباده الطيبين الذين علم أنهم مؤمنون ، فيهديهم لطاعته . قال الزمخشري في تأويل هذه الآية : يعني أنه قد علم من يدخل في الإسلام ممن لا يدخل فيه . فيهدي الذي قد علم أن الهداية تنفع فيه ، ويخذل من علم أنها لا تنفع فيه .
قوله : { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } الكافرون الخاسرون بمنزلة الموتى من أهل القبور في أنهم لا ينتفعون بما يسمعونه من الآيات و العظات . فهم خامدو هامدون رِمَم وكذلك الكفرة الجاحدون ؛ فإن قلوبهم قد طبع عليها ؛ فهي لا تعي ولا تستجيب ولا تريم{[3862]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.