اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنۡ إِبۡرَٰهِيمَ ٱلرَّوۡعُ وَجَآءَتۡهُ ٱلۡبُشۡرَىٰ يُجَٰدِلُنَا فِي قَوۡمِ لُوطٍ} (74)

قوله : { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الروع } ، أي : الفزعُ ؛ قال الشَّاعرُ : [ الطويل ]

إِذَا أخَذَتْهَا هِزَّةُ الرَّوْعِ أمْسَكَتْ *** بِمَنْكِبِ مِقدامٍ على الهَوْلِ أرْوَعَا{[18900]}

يقال : رَاعَهُ يَرُوعُه ، أي : أفزعهُ ؛ قال عنترةُ : [ الكامل ]

ما رَاعَنِي إِلاَّ حَمُولةُ أهْلِهَا *** وسْطَ الدِّيارِ تَسَفُّ حبَّ الخِمْخِمِ{[18901]}

وارتاع : افتعل منه ؛ قال النابغة : [ البسيط ]

فارْتَاعَ مِنْ صَوْتِ كلاَّبٍ فَبَاتَ لَهُ *** طَوْعَ الشَّوامِتِ مِنْ خَوْفٍ ومِنْ صَرَدِ{[18902]}

وأمَّا الرُّوعُ - بالضمِّ - فهي النَّفْسُ لأنَّها محلُّ الرَّوْعِ . ففرَّقُوا بين الحالِّ والمَحَلِّ ؛ وفي الحديث : " إِنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعي " .

قوله : { وَجَآءَتْهُ البشرى } عطف على " ذَهَبَ " ، وجوابُ " لمَّا " على هذا محذوفٌ أي : فلمَّا كان كيت وكيت اجترأ على خطابهم ، أو فطن لمجادلتهم ، وقوله : " يَجَادِلُنَا " على هذا جملةٌ مستأنفةٌ ، وهي الدَّالَّةُ على ذلك الجواب المحذوف .

وقيل : تقديرُ الجواب : أقبل يُجَادلنا ، أو أخذ يُجَادلُنَا ، ف " يُجَادِلُنَا " على هذا حالٌ من فاعل " أقبل " .

وقيل : جوابها قوله : " يُجَادلُنَا " وأوقع المضارع موقع الماضي .

وقيل : الجوابُ قوله : { وَجَآءَتْهُ البشرى } والواوُ زائدةٌ . وقيل : " يُجَادِلُنَا " حال من " إبراهيم " ، وكذلك قوله : { وَجَآءَتْهُ البشرى } و " قَدْ " مقدرةٌ . ويجُوزُ أن يكون " يُجَادِلُنَا " حالاً من ضمير المفعول في " جَاءءَتْهُ " . و " فِي قَوْمِ لُوطٍ " أي : في شأنهم .

قوله : { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الروع } .

هذا أوَّلُ قصة قوم لوط ، والمعنى : أنَّهُ لمَّا زال الخوف وحصل السُّرورُ بسبب مجيء البُشْرَى بحصول الولد ، أخذ يُجَادلنا أي : رسلنا ، بمعنى : يكلمنا ؛ لأنَّ إبراهيم - صلوات الله وسلامه عليه - لا يجادل ربه ، إنَّما يسأله ويطلب إليه بدليل مدحه عقيب الآية بقوله : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ } ولو كان جدلاً مذموماً لما مدحه بهذا المَدْح العظيم ، وكانت مجادلته أن قال للملائكة : أرأيتم لو كان في مدائنِ لوطٍ خمسون رجلاً من المؤمنين أتهلكونها قالوا : لا .

قال : أو أربعون . قالوا : لا .

قال : أو ثلاثون . قالوا لا . حتَّى بلغ العشرة .

قالوا : لا . قال : أرأيتم لو كان فيها رجلٌ مسلم أتهلكونها ؟ قالوا : لا . فعند ذلك { قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته } [ العنكبوت : 32 ] .


[18900]:ينظر البيت في البحر المحيط 5/238 وروح المعاني 12/102 والدر المصون 4/116.
[18901]:ينظر البيت في ديوانه (107) وشرح القصائد العشر (327) وروح المعاني 12/102 واللسان (خمم) والتهذيب 7/17 وجمهرة أشعار العرب 2/53 والدر المصون 4/116 والبحر المحيط 5/238.
[18902]:ينظر البيت في ديوانه (19) والقرطبي 9/49 والبحر المحيط 5/238 والدر المصون 4/116.