الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{يُنَزِّلُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرُوٓاْ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱتَّقُونِ} (2)

قرأ المفضل عن عاصم " تَنَزَّل الملائكةُ " والأصل تتنزل ، فالفعل مسند إلى الملائكة . وقرأ الكسائي عن أبي بكر عن عاصم باختلاف عنه والأعمش " تُنَزَّل الملائكةُ " غير مسمى الفاعل . وقرأ الجعفي عن أبي بكر عن عاصم " تُنَزِّل الملائكةَ " بالنون مسمى الفاعل ، الباقون " يُنَزِّل " بالياء مسمى الفاعل ، والضمير فيه لاسم الله عز وجل . وروي عن قتادة " تنزل الملائكة " بالنون والتخفيف . وقرأ الأعمش " تنزل " بفتح التاء وكسر الزاي ، من النزول . " الملائكة " رفعا مثل " تنزل الملائكة{[9787]} " [ القدر : 4 ] " بالروح " أي بالوحي وهو النبوة ، قاله ابن عباس . نظيره " يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده{[9788]} " [ غافر : 15 ] . الربيع بن أنس : بكلام الله وهو القرآن . وقيل : هو بيان الحق الذي يجب اتباعه . وقيل أرواح الخلق ، قاله قتادة . لا ينزل ملك إلا ومعه روح . وكذا روي عن ابن عباس أن الروح خلق من خلق الله عز وجل كصور ابن آدم ، لا ينزل من السماء ملك إلا ومعه واحد منهم . وقيل بالرحمة ، قاله الحسن وقتادة . وقيل بالهداية ؛ لأنها تحيا بها القلوب كما تحيا بالأرواح الأبدان ، وهو معنى قول الزجاج . قال الزجاج : الروح ما كان فيه من أمر الله حياة بالإرشاد إلى أمره . وقال أبو عبيدة : الروح هنا جبريل . والباء في قوله : " بالروح " بمعنى مع ، كقولك : خرج بثيابه ، أي مع ثيابه . " من أمره " أي بأمره . " على من يشاء من عباده " أي على الذين اختارهم الله للنبوة . وهذا رد لقولهم : " لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم{[9789]} " [ الزخرف : 31 ] . " أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون " تحذير من عبادة الأوثان ، ولذلك جاء الإنذار ؛ لأن أصله التحذير مما يخاف منه . ودل على ذلك قوله : " فاتقون " . و " أن " في موضع نصب بنزع الخافض ، أي بأن أنذروا أهل الكفر بأنه لا إله إلا الله ، " فأن " في محل نصب بسقوط الخافض أو بوقوع الإنذار عليه .


[9787]:راجع ج 20 ص 133.
[9788]:راجع ج 15 ص 299.
[9789]:راجع ج 16 ص 82.