الأولى : قوله تعالى : { وقالوا اتخذ الله ولدا } هذا إخبار عن النصارى في قولهم : المسيح ابن الله . وقيل عن اليهود في قولهم : عزير ابن الله . وقيل عن كفرة العرب في قولهم : الملائكة بنات الله . وقد جاء مثل هذه الأخبار عن الجهلة الكفار في " مريم " و[ الأنبياء{[1102]} ] .
الثانية : قوله تعالى : { سبحانه بل له } الآية . خرج البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن اتخذ صاحبة أو ولدا " .
الثالثة : { سبحان } منصوب على المصدر ، ومعناه التبرئة والتنزيه والمحاشاة ، من قولهم : اتخذ الله ولدا ، بل هو الله تعالى واحد في ذاته ، أحد في صفاته ، لم يلد فيحتاج إلى صاحبة ، { أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء } [ الأنعام : 101 ] ولم يولد فيكون مسبوقا ، جل وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا . { بل له ما في السماوات والأرض } " ما " رفع بالابتداء والخبر في المجرور ، أي كل ذلك له ملك بالإيجاد والاختراع . والقائل بأنه اتخذ ولدا داخل في جملة السموات والأرض . وقد تقدم أن معنى سبحان الله : براءة الله من السوء{[1103]} .
الرابعة : لا يكون الولد إلا من جنس الوالد ، فكيف يكون للحق سبحانه أن يتخذ ولدا من مخلوقاته وهو لا يشبهه شيء ، وقد قال : { إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا{[1104]} } [ مريم : 93 ] ، كما قال هنا : { بل له ما في السموات والأرض } فالولدية تقتضي الجنسية والحدوث ، والقدم يقتضي الوحدانية والثبوت ، فهو سبحانه القديم الأزلي الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد . ثم إن البنوة تنافي الرق والعبودية . - على ما يأتي بيانه في سورة " مريم{[1105]} " إن شاء الله تعالى - فكيف يكون ولد عبدا هذا محال ، وما أدى إلى المحال محال .
الخامسة : قوله تعالى : { كل له قانتون } ابتداء وخبر ، والتقدير كلهم ، ثم حذف الهاء والميم . " قانتون " أي مطيعون وخاضعون ، فالمخلوقات كلها تقنت لله ، أي تخضع وتطبع . والجمادات قنوتهم في ظهور الصنعة عليهم وفيهم . فالقنوت الطاعة ، والقنوت السكوت ، ومنه قول زيد بن أرقم : كنا نتكلم في الصلاة ، يكلم الرجل صاحبه إلى جنبه حتى نزلت : { وقوموا لله قانتين } [ البقرة : 238 ] فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام . والقنوت : الصلاة ،
قال الشاعر : قانتاً لله يتلو كتبه *** وعلى عمد من الناس اعتزل
وقال السدي وغيره في قوله : { كل له قانتون } أي يوم القيامة . الحسن : كل قائم بالشهادة أنه عبده . والقنوت في اللغة أصله القيام ، ومنه الحديث : ( أفضل الصلاة طول القنوت ) قاله الزجاج . فالخلق قانتون ، أي قائمون بالعبودية إما إقرارا وإما أن يكونوا على خلاف ذلك ، فأثر الصنعة بين عليهم . وقيل : أصله الطاعة ، ومنه قوله تعالى : { والقانتين والقانتات } [ الأحزاب : 35 ] . وسيأتي لهذا مزيد بيان عند قوله تعالى :
{ وقوموا لله قانتين{[1106]} } [ البقرة : 238 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.