الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{تَبَارَكَ ٱلَّذِيٓ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيۡرٗا مِّن ذَٰلِكَ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَيَجۡعَل لَّكَ قُصُورَۢا} (10)

قوله تعالى : " تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات " شرط ومجازاة ، ولم يدغم " جعل لك " لأن الكلمتين منفصلتان ، ويجوز الإدغام لاجتماع المثلين . " ويجعل لك " في موضوع جزم عطفا على موضع " جعل " . ويجوز أن يكون في موضع رفع مقطوعا من الأول . وكذلك قرأ أهل الشام . ويروى عن عاصم أيضا : " ويجعل لك " بالرفع ، أي وسيجعل لك في الآخرة قصورا . قال مجاهد : كانت قريش ترى البيت من حجارة قصرا كائنا ما كان . والقصر في اللغة الحبس ، وسمي القصر قصرا لأن من فيه مقصور عن أن يوصل إليه . وقيل : العرب تسمي بيوت الطين القصر . وما يتخذ من الصوف والشعر البيت . حكاه القشيري . وروى سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن خيثمة قال : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن شئت أن نعطيك خزائن الدنيا ومفاتيحها ولم يعط ذلك من قبلك ولا يعطاه أحد بعدك ، وليس ذلك بناقصك في الآخرة شيئا ، وإن شئت جمعنا لك ذلك في الآخرة ، فقال : ( يجمع ذلك لي في الآخرة ) فأنزل الله عز وجل : " تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا " . ويروى أن هذه الآية أنزلها رضوان خازن الجنان إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وفي الخبر : إن رضوان لما نزل سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : يا محمد ! رب العزة يقرئك السلام ، وهذا سَفَط{[12097]} - فإذا سفط من نور يتلألأ - يقول لك ربك : هذه مفاتيح خزائن الدنيا ، مع أنه لا ينقص مالك في الآخرة مثل جناح بعوضة ، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير له ، فضرب جبريل بيده الأرض يشير أن تواضع ، فقال : ( يا رضوان لا حاجة لي فيها الفقر أحب إلي وأن أكون عبدا صابرا شكورا ) . فقال رضوان : أصبت ! الله لك . وذكر الحديث .


[12097]:السفط: الذي يُعبَّى فيه الطيب وما أشبهه من أدوات النساء، وقيل: كالجوالق.