الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{تَبَارَكَ ٱلَّذِيٓ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيۡرٗا مِّن ذَٰلِكَ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَيَجۡعَل لَّكَ قُصُورَۢا} (10)

{ تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذلِك } أي ممّا قالوا ، عن مجاهد ، وروى عكرمة عن ابن عباس قال : يعني خيراً من المشي في الأسواق والتماس المعاش ، ثمَّ بيّن ذلك الخير ما هو فقال سبحانه وتعالى { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً } أي بيوتاً مشيّدة ، وسُمّي قصراً لأنّه قُصر أي حُبس ومُنع من الوصول إليه .

واختلف القرّاء في قوله { وَيَجْعَل } فرفع لامه ابن كثير وابن عامر وعاصم برواية أبي بكر والمفضل ، وجزمهُ الآخرون على محلّ الجزاء في : قوله إن شاء جعل .

( أخبرنا ) أبو عمرو أحمد بن أبي أحمد بن حمدون النيسابوري قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن يعقوب البخاري قال : حدّثنا محمد بن حميد بن فروة البخاري قال : حدّثنا أبو حذيفة إسحاق بن بشر البخاري قال : حدّثنا جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : " لما عيّر المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاقة فقالوا : ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، حزن النبي صلى الله عليه وسلم لذلك ونزل عليه جبرئيل من عند ربه معزّياً له فقال : السلام عليك يا رسول الله ، ربّ العزة يقرئك السلام ويقول لك : ( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلاّ أنّهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق )ويتّبعون المعاش في الدنيا .

قال : فبينما جبرئيل ( عليه السلام ) والنبي صلى الله عليه وسلم يتحدّثان إذ ذاب جبرئيل حتى صار مثل الهردة ، قيل : يا رسول الله وما الهردة ؟ قال : " العدسة " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا جبرئيل مالك ذبت حتى صرت مثل الهردة ؟ قال : يا محمد فتح باب من أبواب السماء لم يكن فتح قبل ذلك ، فتحوّل الملك وأنّه إذا فُتح باب من السماء لم يكن فُتح قبل ذلك فتحوّل الملك ، إمّا ان يكون رحمة أو عذاباً وإنّي أخاف أن يعذب قومك عند تعييرهم إياك بالفاقة ، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم وجبرئيل ( عليه السلام ) يبكيان إذ عاد جبرئيل فقال : يا محمد أبشر ، هذا رضوان خازن الجنة قد أتاك بالرضى من ربّك ، فأقبل رضوان حتى سلّم ، ثم قال : يا محمد ، ربّ العزة يقرئك السلام ومعه سفط من نور يتلألأ ويقول لك ربّك : هذه مفاتيح خزائن الدنيا مع ما لا ينتقص لك مما عندي في الآخرة مثل جناح بعوضة ، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبرئيل ( عليه السلام ) كالمستشير له فضرب جبرئيل بيده الأرض وقال : تواضع لله . فقال : " يا رضوان لا حاجة لي فيها ، الفقر أحبّ اليّ ، وأن أكون عبداً صابراً شكوراً " فقال رضوان : أصبت أصاب الله بك .

وجاء نداء من السماء فرفع جبرئيل رأسه فإذا السموات قد فتحت أبوابها الى العرش ، وأوحى الله سبحانه وتعالى الى جنة عدن أن تدلي غصناً من أغصانها عليه عذق عليه غرفة من زبرجدة خضراء لها سبعون ألف من ياقوتة حمراء ، فقال جبرئيل : يا محمد ارفع بصرك فرفع فرأى منازل الأنبياء وغرفهم وإذا منازله فوق منازل الأنبياء فضلاً له خاصة ومناد ينادي : أرضيت يا محمد ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " رضيت ، فاجعل ما اردت أن تعطيني في الدنيا ذخيرة عندك في الشفاعة يوم القيامة " " .

ويروون أنّ هذه الآية أنزلها رضوان ( تبارك الذي ان شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصوراً ) .