الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{تَبَارَكَ ٱلَّذِيٓ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيۡرٗا مِّن ذَٰلِكَ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَيَجۡعَل لَّكَ قُصُورَۢا} (10)

قوله : { جَنَّاتٍ } : يجوز أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ " خيراً " ، وأَنْ يكونَ عطفَ بيانٍ عند مَنْ يُجَوِّزه في النكراتِ ، وأَنْ يكونَ منصوباً بإضمارِ أعني . و { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } صفةٌ .

قوله : { وَيَجْعَل لَّكَ } قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر برفع " ويجعَلُ " والباقون بإدغامِ لامِ " يَجْعَلْ " في لام " لك " . وأمَّا الرفعُ ففيه وجهان ، أحدُهما : أنَّه مستأنفٌ . والثاني : أنه معطوفٌ على جوابِ الشرط . قال الزمخشري : " لأنَّ الشرطَ إذا وقع ماضياً جاز في جوابِه الجزمُ ، والرفعُ كقولِه :

وإنْ أتاه خليلٌ يومَ مَسْألةٍ *** يقولُ لا غائبٌ مالي ولا حَرِمُ

قال الشيخ : " وليس هذا مذهبَ سيبويه ، بل مذهبُه : أنَّ الجوابَ محذوفٌ ، وأنَّ هذا المضارعَ مَنْوِيُّ به التقديمُ ، ومذهبُ المبرد والكوفيين أنه جوابٌ على حَذْفِ الفاءِ . ومذهبُ آخرين : أنه جوابٌ لا على حَذْفِها ، بل لمَّا كان الشرطُ ماضياً ضَعُفَ تأثيرُ " إنْ " فارتفع " . قلت : فالزمخشريُّ بنى قولَه على هذين المذهبين . ثم قال الشيخ : " وهذا التركيبُ جائزٌ فصيحٌ . وزعم بعضُ أصحابِنا أنه لا يجيءُ إلاَّ في ضرورة " .

وأمَّا القراءةُ الثانيةُ فتحتمل وجهين ، أحدُهما : أنَّ سكونَ اللامِ للجزمِ عطفاً على مَحَلِّ " جَعَل " ؛ لأنَّه جوابُ الشرط . والثاني : أنه مرفوعٌ ، وإنما سُكِّن لأجلِ الإِدغام . قال الزمخشري وغيرُه وفيه نظرٌ ؛ من حيث إنَّ مِنْ جملةِ مَنْ قرأ بذلك وهو نافعٌ والأخَوان وحفصٌ ليس مِنْ أصولِهم الإِدغامُ ، حتى يُدَّعَى لهم في هذا المكانِ . نعم أبو عمرو أصلُه الإِدغامُ وهو يقرأ هنا بسكونِ اللامِ ، فيُحتمل ذلك على قراءته ، وهذا من محاسِنِ علمِ النحوِ والقراءاتِ معاً .

وقرأ طلحةُ بن سليمان " ويَجْعَلَ " بالنصبِ ؛ وذلك بإضمارِ " أنْ " على جوابِ الشرطِ ، واستضعفها ابنُ جني . ومثلُ هذه القراءة :

فإنْ يَهْلَكْ أبو قابوسَ يَهْلَكْ *** رَبيعُ الناسِ والبَلدُ الحرامُ

ونَأْخُذْ بعدَه بذِنابِ عيشٍ *** أَجبَّ الظهرِ ليسَ له سَنامُ

بالتثليث في " نَأْخذ " .