ولما قال المشركون ما قالوا قيل : فيما يروى إن شئت أن نعطيك خزائن الدنيا ومفاتيحها ، ولم يعط ذلك أحد قبلك ولا يعطاه أحد بعدك وليس ذلك بناقصك في الآخرة شيئاً ، وإن شئت جمعناه لك في الآخرة فقال : يجمع لي ذلك في الآخرة فنزل { تبارك الذي } .
وعن ابن عباس عنه عليه السلام قال : عرض على جبريل عليه السلام بطحاء مكة ذهباً فقلت : بل شبعة وثلاث جوعات ، وذلك أكثر لذكري ومسألتي .
قال الزمخشري في { تبارك } أي تكاثر خيراً { الذي إن شاء } وهب لك في الدنيا { خيراً } مما قالوا وهو أن يجعل لك مثل ما وعدك في الآخرة من الجنات والقصور انتهى .
والإشارة بذلك الظاهر أنه إلى ما ذكره الكفار من الجنة والكنز في الدنيا قاله مجاهد .
ويبعد تأويل ابن عباس أنه إشارة إلى أكله الطعام ومشيه في الأسواق والظاهر أن هذا الجعل كان يكون في الدنيا لو شاءه الله .
وقيل : في الآخرة ودخلت إن على المشيئة تنبيهاً أنه لا ينال ذلك إلاّ برحمته وأنه معلق على محض مشيئته ليس لأحد من العباد على الله حق لا في الدنيا ولا في الآخرة .
والأول أبلغ في تبكيت الكفار والرد عليهم .
قال ابن عطية : ويرده قوله بعد ذلك { بل كذبوا بالساعة } انتهى .
ولا يرده لأن المعنى به متمكن وهو عطف على ما حكى عنهم يقول : بل أتى بأعجب من ذلك كله وهو تكذيبهم بالساعة .
وقرأ الجمهور { ويجعل } بالجزم قالوا عطفاً على موضع جعل لأن التقدير إن يشأ يجعل ويجوز أن يكون مرفوعاً أدغمت لامه في لام { لك } لكن ذلك لا يعرف إلاّ من مذهب أبي عمرو والذي قرأ بالجزم من السبعة نافع وحمزة والكسائي وأبو عمرو ، وليس من مذهب الثلاثة إدغام المثلين إذا تحرك أولهما إنما هو من مذهب أبي عمر وكما ذكرنا .
وقرأ مجاهد وابن عامر وابن كثير وحميد وأبو بكر ومحبوب عن أبي عمرو بالرفع .
قال ابن عطية : والاستئناف ووجهه العطف على المعنى في قوله { جعل } لأن جواب الشرط هو موضع استئناف .
ألا ترى أن الجمل من الابتداء والخبر قد تقع موقع جواب الشرط ؟ وقال الحوفي من رفع جعله مستأنفاً منقطعاً مما قبله انتهى .
وقال أبو البقاء وبالرفع على الاستئناف .
وقال الزمخشري : وقرىء { ويجعل } بالرفع عطفاً على { جعل } لأن الشرط إذا وقع ماضياً جاز في جوابه الجزم والرفع كقوله :
وإن أتاه خليل يوم مسألة *** يقول لا غائب مالي ولا حرم
وهذا الذي ذهب إليه الزمخشري من أنه إذا كان فعل الشرط ماضياً جاز في جوابه الرفع ليس مذهب سيبويه ، إذ مذهب سيبويه أن الجواب محذوف وأن هذا المضارع المرفوع النية به التقديم ، ولكون الجواب محذوفاً لا يكون فعل الشرط إلاّ بصيغة الماضي .
وذهب الكوفيون والمبرد إلى أنه هو الجواب وأنه على حذف الفاء ، وذهب غير هؤلاء إلى أنه هو الجواب وليس على حذف الفاء ولا على التقديم ، ولما لم يظهر لأداة الشرط تأثير في فعل الشرط لكونه ماضي اللفظ ضعف عن العمل في فعل الجواب فلم تعمل فيه ، وبقي مرفوعاً وذهب الجمهور إلى أن هذا التركيب فصيح وأنه جائز في الكلام .
وقال بعض أصحابنا : هو ضرورة إذ لم يجىء إلاّ في الشعر وهو على إضمار الفاء والكلام على هذه المذاهب مذكور في علم النحو .
وقرأ عبيد الله بن موسى وطلحة بن سليمان { ويجعل } بالنصب على إضمار أن .
وقال أبو الفتح هي على جواب الشرط بالواو ، وهي قراءة ضعيفة انتهى .
ونظير هذه القراءات الثلاث قول النابغة :
فإن يهلك أبو قابوس يهلك *** ربيع الناس والشهر الحرام
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.