الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (51)

فيه مسألتان :

الأولى : قوله تعالى : " اليهود والنصارى أولياء " مفعولان لتتخذوا{[5697]} ؛ وهذا يدل على قطع الموالاة شرعا ، وقد مضى في " آل عمران " {[5698]} بيان ذلك . ثم قيل : المراد به المنافقون ، المعنى يا أيها الذين آمنوا بظاهرهم ، وكانوا يوالون المشركين ويخبرونهم بأسرار المسلمين . وقيل : نزلت في أبي لبابة ، عن عكرمة . قال السدي : نزلت في قصة يوم أحد حين خاف المسلمون حتى هم قوم منهم أن يوالوا اليهود والنصارى . وقيل : نزلت في عبادة بن الصامت وعبدالله بن أبي بن سلول ، فتبرأ عبادة رضي الله عنه{[5699]} من موالاة اليهود ، وتمسك بها ابن أبي وقال : إني أخاف أن تدور الدوائر . " بعضهم أولياء بعض " مبتدأ وخبره ، وهو بدل على إثبات الشرع الموالاة فيما بينهم حتى يتوارث اليهود والنصارى بعضهم من بعض .

الثانية : قوله تعالى : " ومن يتولهم منكم " أي يعضدهم على المسلمين " فإنه منهم " بين تعالى أن حكمه كحكمهم ، وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد ، وكان الذي تولاهم ابن أبي ثم هذا الحكم باق إلى يوم القيامة في قطع المولاة ؛ وقد قال تعالى : " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار{[5700]} " [ هود : 113 ] وقال تعالى في " آل عمران " : " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين{[5701]} " [ آل عمران : 28 ] وقال تعالى : " لا تتخذوا بطانة من دونكم{[5702]} " [ آل عمران : 118 ] وقد مضى القول فيه . وقيل : إن معنى " بعضهم أولياء بعض " أي في النصر " ومن يتولهم منكم فإنه منهم " شرط وجوابه ، أي أنه قد خالف الله تعالى ورسوله كما خالفوا ، ووجبت معاداته كما وجبت معاداتهم ، ووجبت له النار كما وجبت لهم ، فصار منهم أي من أصحابهم .


[5697]:من ك و ع.
[5698]:راجع ج 4 ص 188.
[5699]:من ع.
[5700]:راجع ج 9 ص 107.
[5701]:راجع ج 4 ص 57 و 178.
[5702]:راجع ج 4 ص 57 و 178.