فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (51)

يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين( 51 )

{ أولياء } نصراء .

نهى الله تعالى عن مناصرة اليهود والنصارى ، ومعاشرتهم معاشرة أهل الحق ، ( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض . . ) ( {[1775]} ) فالكفر ملة واحدة ، والجنس الزائغ ينضم إلى ما هو من جنسه في الغي و البغي ؛ ولعل النداء هنا لكل من يتصف بالإيمان ، أعم من أن يكون ظاهرا وباطنا ، أو ظاهرا فقط ، فيدخل المسلم والمنافق-والمراد من النهي عن اتخاذهم أولياء أن يعاملوا معاملة الأولياء في المصادقة والمعاشرة والمناصرة ؛ وقوله : { بعضهم أولياء بعض } تعليل للنهي ، والمعنى : أن بعض اليهود أولياء البعض الآخر منهم ، وبعض النصارى أولياء البعض الآخر منهم ، وليس المراد بالبعض إحدى طائفتي اليهود والنصارى ، وبالبعض الآخر الطائفة الأخرى ، للقطع بأنهم في غاية من العداوة والشقاق : ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء . . ) ( {[1776]} ) ؛ وقيل : المراد أن كل واحدة من الطائفتين توالى الأخرى وتعاضدها وتناصرها على عداوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وعداوة ما جاء به ، وإن كانوا في ذات بينهم متعادين متضادين ، ووجه تعليل النهي بهذه الجملة أنها تقتضي أن هذه الموالاة هي شأن هؤلاء الكفار لا شأنكم ، فلا تفعلوا ما هو من فعلهم فتكونوا مثلهم ، ولهذا عقب هذه الجملة التعليلية بما هو كالنتيجة لها فقال : { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } أي فإنه من جملتهم وفي عدادهم ، وهو وعيد شديد ، فإن المعصية الموجبة للكفر هي التي قد بلغت إلى غاية ليس وراءها غاية-( {[1777]} ) .

{ إن الله لا يهدي القوم الظالمين } المتجاوز حدود الله ، المعرض عن آياته لا ينال توفيقا ، ولا ينشرح بالدين الحق صدرا .


[1775]:من سورة الأنفال. من الآية 73.
[1776]:من سورة البقرة. من الآية 113.
[1777]:ما بين العارضتين مما أوِردَ في فتح القدير