الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (51)

قوله : ( يَأَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ ) الآية [ 53 ] .

أكثر العلماء على أن المأمور بذلك جميع المؤمنين( {[16811]} ) . وقيل : نزلت في عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبي بن سلول( {[16812]} ) ، كان بينهما وبين بني قَيْنُقاع( {[16813]} ) عهد وحلف ، فلما حاربت بنو قينقاع النبي عليه السلام ، قام دونهم عبد الله بن أبيّ و[ حاجّ ]( {[16814]} ) عنهم ، ومضى عبادة بن الصامت إلى النبي عليه السلام [ وتبرأ ]( {[16815]} ) من حلفهم وعهدهم وقال( {[16816]} ) : أنا أتولى( {[16817]} ) الله ورسوله والمؤمنين( {[16818]} ) .

وقال الزهري : لما انهزم أهل بدر ، قال المسلمون لأوليائهم من يهود : آمنوا قبل أن يصيبكم الله بيوم مثل يوم بدر . فقال بعض اليهود( {[16819]} ) : غركم أن أصبتم رهطاً( {[16820]} ) من قريش لاَ عِلْمَ لَهُمْ( {[16821]} ) بالقتال ، أما أنّا لو عزمنا( {[16822]} ) عليكم واستجمعنا لم يكن لكم يَدان( {[16823]} ) بقتالنا( {[16824]} ) ، فتبرأ عبادة بن الصامت عند رسول الله من أوليائه من يهود ، فقال عبد الله ابن أبي : لكن أنا لا أبرأ من ولاء( {[16825]} ) يهود ، أنا رجل لابد لي منهم ، فأنزل( {[16826]} ) الله : ( يَأَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى )( {[16827]} ) الآية( {[16828]} ) .

وقيل نزلت في قوم من المؤمنين ( هموا –حين )( {[16829]} ) نالَهم( {[16830]} ) بأُحُدٍ ما نالهم( {[16831]} )- أن يأخذوا من اليهود والنصارى عُصَمَاء( {[16832]} ) ، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك( {[16833]} ) . وقال السدي : لما كانت وقعة بأُحُدٍ( {[16834]} ) ، اشتد( {[16835]} ) على قوم( {[16836]} ) ذلك ، فقال رجل لصاحبه : [ أما أنا ]( {[16837]} ) فأَمُرُّ( {[16838]} ) بذلك( {[16839]} ) اليهودي فآخُذُ منه أماناً ، فإِنِّي( {[16840]} ) أخاف أن يِدَّال( {[16841]} ) علينا ، وقال آخر( {[16842]} ) : أما أنا فألحق بفلان( {[16843]} ) النصراني فآخُذُ منه أماناً ، فأنزل( {[16844]} ) الله : ( يَا أَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ ) الآية( {[16845]} ) .

وقال عكرمة : بعث رسول الله عليه السلام أبا لُبابة –من الأوس- إلى قريظة حين نقضت العهد ، فلما أطاعوا له بالنزول أشار إلى حُلِقه : الذَّبح ( الذبح )( {[16846]} ) ، فأنزل الله الآية فيه( {[16847]} ) .

وقيل : نزلت في المنافقين ، لأنهم كانوا يخبرون اليهود والنصارى بأسرار المؤمنين ويوالونهم( {[16848]} ) .

والاختيار عند الطبي أن يكون نهياً عاماً لجميع المؤمنين( {[16849]} ) .

وقوله : ( بَعْضُهُمُ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) أي : اليهود بعضهم أنصار بعض ، وكذلك النصارى ففيه معنى التحريض للمؤمنين : أن يكون أيضاً بعضهم أولياء بعض( {[16850]} ) .

قوله : ( وَمَنْ يَّتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمُ ) أي : من والاهم فهو منهم ، لأنه لا [ يواليهم ]( {[16851]} ) إلا وهو بدينهم راض ، فهو منهم( {[16852]} ) .

( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ ) أي : " لا يُوَفِّقَ " ( {[16853]} ) من وضع الولاية في غير موضعها فوالى اليهود والنصارى مع عداوتهم لله ورسوله " ( {[16854]} ) .


[16811]:- انظر: تفسير الطبري 10/395.
[16812]:- هو رأس المنافقين بالمدينة توفي سنة 9هـ. انظر: الأعلام 4/65.
[16813]:- د: قنقاع.
[16814]:- أ: خاج.
[16815]:- أ: وتيرا. ب ج د: فتبرأ.
[16816]:- ب ج د: فقال.
[16817]:- ج د: تولى.
[16818]:- ب: المؤمنون. وانظر: سيرة ابن هشام 3/52 و53، وتفسير الطبري 10/396 و397، وأسباب النزول 132، 133.
[16819]:- وهو مالك بن صيف في تفسير الطبري 10/396.
[16820]:- د: رهط.
[16821]:- د: بهم.
[16822]:- ب: عرمنا.
[16823]:- ج د: جهد. وفي اللسان: يدي. "ومالي بفلان يدان: أي: طاقة".
[16824]:- ب: بقتالنا. وفي تفسير الطبري 10/396. لم يكن لكم يَدٌ أن تقاتلونا.
[16825]:- ج: ولياء.
[16826]:- ب: بانزل.
[16827]:- ب ج د: النصارى أولياء.
[16828]:- انظر: تفسير الطبري 10/396.
[16829]:- ب: سوامين.
[16830]:- ب: قالهم.
[16831]:- ب: قالهم.
[16832]:- ب ج د: عصما.
[16833]:- انظر: تفسير الطبري 10/379.
[16834]:- ب ج د: أحد.
[16835]:- ب: أشد.
[16836]:- مخرومة في أ.
[16837]:- أ: أمانا.
[16838]:- د: فأمروا.
[16839]:- في تفسير الطبري 10/397: بدهلك.
[16840]:- ب ج د: فأنا.
[16841]:- ب ج د: يدانوا. وفي اللسان: دول: "وفي حديث وفد ثقيف: "نُدالُ عليهم وَيُدالُونَ عَلَيْنَا"، الإدَالَةُ: الغَلَبَةُ".
[16842]:- ب ج د: الآخر.
[16843]:- ب: فعلان.
[16844]:- ب: بأنزل.
[16845]:- انظر: تفسير الطبري 10/379، 398.
[16846]:- ساقطة من ب ج د.
[16847]:- انظر: تفسير الطبري 10/398.
[16848]:- قال الطبري في تفسيره 10/399: "لا شك أن الآية نزلت في منافق...، وانظر: أحكام ابن العربي 633 و634.
[16849]:- انظر: تفسيره 10/398 و399.
[16850]:- انظر: تفسير الطبري 10/399.
[16851]:- أ: يوليهم.
[16852]:- انظر: تفسير الطبري 10/400.
[16853]:- ب: يوافق.
[16854]:- تفسير الطبري 10/402 وفيه "الله" في وموضع "لله".