الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (51)

أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عبادة بن الوليد « أن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبث بأمرهم عبد الله بن سلول وقام دونهم ، ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حلفهم ، - وكان أحد بني عوف بن الخزرج - وله من حلفهم مثل الذي كان لهم من عبد الله بن أبي ، فخلعهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أتولى الله ورسوله والمؤمنين ، وأبرأ إلى الله ورسوله من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم ، وفيه وفي عبد الله بن أبي نزلت الآيات في المائدة { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } إلى قوله { فإن حزب الله هم الغالبون } » .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : إن عبد الله بن أبي بن سلول قال : أن بيني وبين قريظة والنضير حلف ، وإني أخاف الدوائر فأرتد كافراً . وقال عبادة بن الصامت : أبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير ، وأتولى الله ورسوله والمؤمنين ، فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } إلى قوله { فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم } يعني عبد الله بن أبي . وقوله { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } [ المائدة : 55 ] يعني عبادة بن الصامت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : { ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون } [ المائدة : 81 ] .

وأخرج ابن مردويه من طريق عبادة بن الوليد عن أبيه عن جده عن عبادة بن الصامت قال : فيّ نزلت هذه الآية حين أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبرأت إليه من حلف يهود ، وظاهرت رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين عليهم .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عطية بن سعد قال « جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن لي موالي من يهود كثير عددهم ، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود ، وأتولى الله ورسوله فقال عبد الله بن أبي : إني رجل أخاف الدوائر ، لا أبرأ من ولاية مواليّ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أُبَيِّ : يا أبا حباب ، أرأيت الذي نفست به من ولاء يهود على عبادة ، . . فهو لك دونه . قال : إذن أقبل . فأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } إلى أن بلغ إلى قوله { والله يعصمك من الناس } » .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال :لما كانت وقعة أحد اشتد على طائفة من الناس وتخوفوا أن يدال عليهم الكفار ، فقال رجل لصاحبه : أما أنا فألحق بفلان اليهودي ، فآخذ منه أمانا وأتهود معه فإني أخاف أن يدال على اليهود . وقال الآخر : أما أنا فألحق بفلان النصراني ببعض أرض الشام ، فآخذ منه أمانا وأتنصر معه . فأنزل الله تعالى فيهما ينهاهما{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة في قوله { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } في بني قريظة ، إذ غدروا ونقضوا العهد بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه إلى أبي سفيان بن حرب ، يدعونه وقريشا ليدخلوهم حصونهم ، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا لبابة بن عبد المنذر إليهم أن يستنزلهم من حصونهم ، فلما أطاعوا له بالنزول وأشار إلى حلقه بالذبح ، وكان طلحة والزبير يكاتبان النصارى وأهل الشام ، وبلغني أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يخافون العوز والفاقة ، فيكاتبون اليهود من بني قريظة والنضير ، فيدسون إليهم الخبر من النبي صلى الله عليه وسلم يلتمسون عندهم القرض والنفع ، فنهوا عن ذلك .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كلوا من ذبائح بني تغلب ، وتزوجوا نسائهم ، فإن الله يقول{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم } فلو لم يكونوا منهم إلا بالولاية لكانوا منهم .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في هذه الآية{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . . . }الآية . قال : إنها في الذبائح من دخل في دين قوم فهو منهم .

وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن عياض . أن عمر أمر أبا موسى الأشعري أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أزيم واحد ، وكان له كاتب نصراني ، فرفع إليه ذلك ، فعجب عمر قال : إن هذا لحفيظ ، هل أنت قارئ لنا كتابا في المسجد جاء من الشام ؟ فقال : إنه لا يستطيع أن يدخل المسجد . قال عمر : أجنب هو ؟ قال : لا ، بل نصراني . فانتهرني وضرب فخذي ثم قال : أخرجوه ، ثم قرأ{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء . . . }الآية .

وأخرج عبد بن حميد عن حذيفة قال : ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو لا يشعر وتلا{ ومن يتولهم منكم فإنه منهم } .