{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } الظاهر أنه خطاب عام يعم حكمه كافة المؤمنين حقيقة ، وقيل المراد بهم المنافقون ، ووصفهم بالإيمان باعتبار ما كانوا يظهرونه ، وقد كانوا يوالون اليهود والنصارى فنهوا عن ذلك ، والأولى أن يكون خطابا لكل من يتصف بالإيمان أعم من أن يكون ظاهرا أو باطنا فقط ، فيدخل المسلم والمنافق .
ويؤيد هذا قوله : { فترى الذين في قلوبهم مرض } والاعتبار بعموم اللفظ قال ابن عباس أسلم عبد الله بن أبي بن سلول ثم قال : إني بيني وبين قريظة حلفا وإني أخاف الدوائر فارتد كافرا ، وقال عبادة ابن الصامت : أبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسوله فنزلت ، وبهذا يتضح المراد ، والمراد من النهي عن اتخاذهم أولياء أن يعاملوا معاملة الأولياء في المصادقة والمعاشرة والمناصرة .
{ بعضهم أولياء بعض } المعنى أن بعض اليهود أولياء للبعض الآخر منهم وبعض النصارى أولياء للبعض الآخر منهم ، وليس المراد بالبعض إحدى طائفتي اليهود والنصارى ، والبعض الآخر الطائفة الأخرى ، للقطع بأنهم في غاية من العداوة والشقاق ، وقالت اليهود ليست النصارى على شيء ، وقالت النصارى ليست اليهود على شيء .
وقيل المراد أن كل واحدة من الطائفتين توالي الأخرى وتعاضدها وتناصرها على عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وعداوة ما جاء به وإن كانوا في ذات بينهم متاعدين متضادين .
ووجه تعليل النهي بهذه الجملة أنها تقتضي أن هذه الموالاة هي شأن هؤلاء الكفار لا شأنكم فلا تفعلوا ما هو من فعلهم فتكونوا مثلهم ، ولهذا عقب هذه الجملة التعليلية بما هو كالنتيجة لها فقال :
{ ومن يتولهم منكم } أي ومن يتولى اليهود والنصارى دون المؤمنين { فإنه منهم } أي فإنه من جملتهم وفي عدادهم لأنه لا يوالي أحد أحدا إلا هو عنه راض ، فإذا رضي عنه رضي دينه فصار من أهل ملته ، وهو وعيد شديد ، فإن المعصية الموجبة للكفر هي التي قد بلغت إلى غاية ليس وراءها غاية .
قال أبو السعود : وفيه زجر شديد للمؤمنين عن إظهار صورة الموالاة لهم وإن لم تكن موالاة في الحقيقة انتهى . وهذا تعليم من الله تعالى وتشديد عظيم في مجانبة اليهود والنصارى ، وكل من خالف دين الإسلام وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
{ إن الله لا يهدي القوم الظالمين } تعليل للجملة التي قبلها أي أن وقوعهم في الكفر هو سبب عدم هدايته سبحانه لمن ظلم نفسه بما يوجب الكفر كمن يوالي الكافرين ، قال حذيفة : ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو لا يشعر وتلا هذه الآية .
وعن أبي موسى قال : قلت لعمر بن الخطاب : إن لي كتابا نصرانيا فقال : مالك وله قاتلك الله ، ألا اتخذت حنيفا يعني مسلما ، أما سمعت قول الله وتلا هذه الآية ، قلت : له دينه ولي كتابي ، فقال : لا أكرمهم إذ أهانهم الله ، ولا أعزهم إذ أذلهم الله ، ولا أدنيهم إذ أبعدهم الله ، قلت : إنه لا يتم أمر البصرة إلا به فقال : مات النصراني والسلام ، يعني هب أنه مات فما تصنع بعده فما تعمله بعد موته فاعمله الآن ، واستغن عنه بغيره من المسلمين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.