فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (51)

{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } الظاهر أنه خطاب عام يعم حكمه كافة المؤمنين حقيقة ، وقيل المراد بهم المنافقون ، ووصفهم بالإيمان باعتبار ما كانوا يظهرونه ، وقد كانوا يوالون اليهود والنصارى فنهوا عن ذلك ، والأولى أن يكون خطابا لكل من يتصف بالإيمان أعم من أن يكون ظاهرا أو باطنا فقط ، فيدخل المسلم والمنافق .

ويؤيد هذا قوله : { فترى الذين في قلوبهم مرض } والاعتبار بعموم اللفظ قال ابن عباس أسلم عبد الله بن أبي بن سلول ثم قال : إني بيني وبين قريظة حلفا وإني أخاف الدوائر فارتد كافرا ، وقال عبادة ابن الصامت : أبرأ إلى الله من حلف قريظة والنضير وأتولى الله ورسوله فنزلت ، وبهذا يتضح المراد ، والمراد من النهي عن اتخاذهم أولياء أن يعاملوا معاملة الأولياء في المصادقة والمعاشرة والمناصرة .

{ بعضهم أولياء بعض } المعنى أن بعض اليهود أولياء للبعض الآخر منهم وبعض النصارى أولياء للبعض الآخر منهم ، وليس المراد بالبعض إحدى طائفتي اليهود والنصارى ، والبعض الآخر الطائفة الأخرى ، للقطع بأنهم في غاية من العداوة والشقاق ، وقالت اليهود ليست النصارى على شيء ، وقالت النصارى ليست اليهود على شيء .

وقيل المراد أن كل واحدة من الطائفتين توالي الأخرى وتعاضدها وتناصرها على عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وعداوة ما جاء به وإن كانوا في ذات بينهم متاعدين متضادين .

ووجه تعليل النهي بهذه الجملة أنها تقتضي أن هذه الموالاة هي شأن هؤلاء الكفار لا شأنكم فلا تفعلوا ما هو من فعلهم فتكونوا مثلهم ، ولهذا عقب هذه الجملة التعليلية بما هو كالنتيجة لها فقال :

{ ومن يتولهم منكم } أي ومن يتولى اليهود والنصارى دون المؤمنين { فإنه منهم } أي فإنه من جملتهم وفي عدادهم لأنه لا يوالي أحد أحدا إلا هو عنه راض ، فإذا رضي عنه رضي دينه فصار من أهل ملته ، وهو وعيد شديد ، فإن المعصية الموجبة للكفر هي التي قد بلغت إلى غاية ليس وراءها غاية .

قال أبو السعود : وفيه زجر شديد للمؤمنين عن إظهار صورة الموالاة لهم وإن لم تكن موالاة في الحقيقة انتهى . وهذا تعليم من الله تعالى وتشديد عظيم في مجانبة اليهود والنصارى ، وكل من خالف دين الإسلام وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

{ إن الله لا يهدي القوم الظالمين } تعليل للجملة التي قبلها أي أن وقوعهم في الكفر هو سبب عدم هدايته سبحانه لمن ظلم نفسه بما يوجب الكفر كمن يوالي الكافرين ، قال حذيفة : ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو لا يشعر وتلا هذه الآية .

وعن أبي موسى قال : قلت لعمر بن الخطاب : إن لي كتابا نصرانيا فقال : مالك وله قاتلك الله ، ألا اتخذت حنيفا يعني مسلما ، أما سمعت قول الله وتلا هذه الآية ، قلت : له دينه ولي كتابي ، فقال : لا أكرمهم إذ أهانهم الله ، ولا أعزهم إذ أذلهم الله ، ولا أدنيهم إذ أبعدهم الله ، قلت : إنه لا يتم أمر البصرة إلا به فقال : مات النصراني والسلام ، يعني هب أنه مات فما تصنع بعده فما تعمله بعد موته فاعمله الآن ، واستغن عنه بغيره من المسلمين .