وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } يحتمل قوله تعالى : { لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } وجوها :
[ أحدهما ] : يحتمل : لا تتخذوهم أولياء في الدين ؛ أي لا تدينوا بدينهم فإنكم إذا دنتم بدينهم صرتم أولياءهم في النصر والمعونة .
[ والثاني : يحتمل : لا تتخذوهم أولياء في النصر والمعونة ] لأنهم إذا اتخذوهم أولياء في النصر والمعونة صاروا أمثالهم ، لأنهم إذا نصروا الكفار على المسلمين ، وأعانوهم ، فقد كفروا ، وهو كقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم } الآية [ آل عمران : 118 ] نهاهم أن يتخذوا أولئك موضع سرهم /131-ب/ وخفياتهم . فعلى ذلك الأول ، والله أعلم .
والثالث : [ يحتمل ] : { لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } في المكسب والدنيا فإنهم إذا فعلوا ذلك لا بد من أن يميلوا إليهم ، ويصدروا عن رأيهم في شيء ، فذلك مما يفسقهم ، ويخرج شهادتهم . فهذا النهي يحتمل هذه الوجوه الثلاثة التي ذكرنا ، والله أعلم .
وفي الآية دلالة [ على ] أن الكفر ملة واحدة ، وإن اختلفت مذاهبهم ، فالواجب أن يرث بعضهم بعضا بقوله تعالى : { بعضهم أولياء بعض } كما أن أهل الإسلام يرث بعضهم بعضا ، وإن اختلفت مذاهبهم .
ألا ترى أنه قال [ عز وجل ] { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } الآية [ التوبة : 71 ] وليس ذلك بداخل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يتوارث أهل ملتين » فالإسلام ملة حق ، والكفر ملة باطل ، ولا نرثهم ، ولا يرثوننا ، وما روي [ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ] : «لا نرث أهل الكتاب ، ولا يرثوننا إلا أن يرث الرجل عبده وأمته » [ الطبراني في الأوسط : 8911 ] ليس بميراث ؛ إنما هو ملك كان يملكه قبل موته ، فعلى ذلك بعد موته . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم » [ البخاري : 6764 ] .
وقوله تعالى : { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } الوجوه التي ذكرنا : الولاية في الدين والولاية في النصر والمعونة فإنهم إذا فعلوا ذلك صاروا منهم في حكم الدنيا والآخرة ، والولاية في المكسب والدنيا [ فإنهم إذا فعلوا ذلك ] فيصيرون منهم في حكم الدنيا . فإن قيل : أليس يرث المسلم المرتد ؟ وقد قال [ عز وجل ] : { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } أخبر أن من يتولهم من المسلمين فسيصير منهم ، ونحن لا نرث اليهود والنصارى ، كيف ورث من ضاد المسلمين ؟ قيل : معنى قوله : { فإنهم منهم } في الدين والكفر لا في الحكم والحقوق ، لأن المرتد إلى النصرانية ليس بمتروك على دينه ، فلم يكن من أهل تلك الملة ، وإنما الملة ما تقارن على أهلها .
ألا ترى أن المرتد لا يرث النصراني إن [ كان قريبه ] ؟ فلو كانت النصرانية له ملة ورثه بأهلها لأننا نعلم أن النصارى يرث بعضهم بعضا ، فلما لم يرثوه دل ذلك على أنه ليس من ملتهم ، وأن حكمه في الميراث حكم الملة التي يخبر عن الرجوع إليها . وعلى ذلك جاءت الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم .
روي عن علي رضي الله عنه أنه أتي برجل ، ارتد عن الإسلام ، فعرض عليه الإسلام ، فأبى ، فضرب عنقه ، وجعل ميراثه لورثته المسلمين . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كذلك . وروي عن زيد بن ثابت مثله .
وقوله تعالى : { إن الله لا يهدي القوم الظالمين } قد ذكرناه في ما تقدم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.