تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (51)

وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } يحتمل قوله تعالى : { لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } وجوها :

[ أحدهما ] : يحتمل : لا تتخذوهم أولياء في الدين ؛ أي لا تدينوا بدينهم فإنكم إذا دنتم بدينهم صرتم أولياءهم في النصر والمعونة .

[ والثاني : يحتمل : لا تتخذوهم أولياء في النصر والمعونة ] لأنهم إذا اتخذوهم أولياء في النصر والمعونة صاروا أمثالهم ، لأنهم إذا نصروا الكفار على المسلمين ، وأعانوهم ، فقد كفروا ، وهو كقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم } الآية [ آل عمران : 118 ] نهاهم أن يتخذوا أولئك موضع سرهم /131-ب/ وخفياتهم . فعلى ذلك الأول ، والله أعلم .

والثالث : [ يحتمل ] : { لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } في المكسب والدنيا فإنهم إذا فعلوا ذلك لا بد من أن يميلوا إليهم ، ويصدروا عن رأيهم في شيء ، فذلك مما يفسقهم ، ويخرج شهادتهم . فهذا النهي يحتمل هذه الوجوه الثلاثة التي ذكرنا ، والله أعلم .

وفي الآية دلالة [ على ] أن الكفر ملة واحدة ، وإن اختلفت مذاهبهم ، فالواجب أن يرث بعضهم بعضا بقوله تعالى : { بعضهم أولياء بعض } كما أن أهل الإسلام يرث بعضهم بعضا ، وإن اختلفت مذاهبهم .

ألا ترى أنه قال [ عز وجل ] { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } الآية [ التوبة : 71 ] وليس ذلك بداخل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يتوارث أهل ملتين » فالإسلام ملة حق ، والكفر ملة باطل ، ولا نرثهم ، ولا يرثوننا ، وما روي [ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ] : «لا نرث أهل الكتاب ، ولا يرثوننا إلا أن يرث الرجل عبده وأمته » [ الطبراني في الأوسط : 8911 ] ليس بميراث ؛ إنما هو ملك كان يملكه قبل موته ، فعلى ذلك بعد موته . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم » [ البخاري : 6764 ] .

وقوله تعالى : { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } الوجوه التي ذكرنا : الولاية في الدين والولاية في النصر والمعونة فإنهم إذا فعلوا ذلك صاروا منهم في حكم الدنيا والآخرة ، والولاية في المكسب والدنيا [ فإنهم إذا فعلوا ذلك ] فيصيرون منهم في حكم الدنيا . فإن قيل : أليس يرث المسلم المرتد ؟ وقد قال [ عز وجل ] : { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } أخبر أن من يتولهم من المسلمين فسيصير منهم ، ونحن لا نرث اليهود والنصارى ، كيف ورث من ضاد المسلمين ؟ قيل : معنى قوله : { فإنهم منهم } في الدين والكفر لا في الحكم والحقوق ، لأن المرتد إلى النصرانية ليس بمتروك على دينه ، فلم يكن من أهل تلك الملة ، وإنما الملة ما تقارن على أهلها .

ألا ترى أن المرتد لا يرث النصراني إن [ كان قريبه ] ؟ فلو كانت النصرانية له ملة ورثه بأهلها لأننا نعلم أن النصارى يرث بعضهم بعضا ، فلما لم يرثوه دل ذلك على أنه ليس من ملتهم ، وأن حكمه في الميراث حكم الملة التي يخبر عن الرجوع إليها . وعلى ذلك جاءت الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم .

روي عن علي رضي الله عنه أنه أتي برجل ، ارتد عن الإسلام ، فعرض عليه الإسلام ، فأبى ، فضرب عنقه ، وجعل ميراثه لورثته المسلمين . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كذلك . وروي عن زيد بن ثابت مثله .

وقوله تعالى : { إن الله لا يهدي القوم الظالمين } قد ذكرناه في ما تقدم .