الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰٓ أَعۡيُنَهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلۡحَقِّۖ يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (83)

قوله تعالى : " وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع " أي بالدمع وهو في موضع الحال ، وكذا " يقولون " . وقال امرؤ القيس :

ففاضت دموع العين مني صبابة *** على النحر حتى بل دمعي محملي{[5839]}

وخبر مستفيض إذا كثر وانتشر كفيض الماء عن الكثرة . وهذه أحوال العلماء يبكون ولا يصعقون ، ويسألون ولا يصيحون ، ويتحازنون ولا يتموتون ؛ كما قال تعالى : " الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله{[5840]} " [ الزمر : 23 ] وقال : " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم " . وفي الأنفال{[5841]} يأتي بيان هذا المعنى إن شاء الله تعالى ، وبين الله سبحانه في هذه الآيات أن أشد الكفار تمردا وعتوا وعداوة للمسلمين اليهود ، ويضاهيهم المشركون ، وبين أن أقربهم مودة النصارى . والله أعلم .

قوله تعالى : " فاكتبنا مع الشاهدين " أي مع أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يشهدون بالحق من قوله عز وجل : " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس{[5842]} " [ البقرة :143 ] عن ابن عباس وابن جريج . وقال الحسن : الذين يشهدون بالإيمان . وقال أبو علي : الذين يشهدون بتصديق نبيك وكتابك . ومعنى " فاكتبنا " اجعلنا ، فيكون بمنزلة ما قد كتب ودون .


[5839]:المحمل (كمرجل) علاقة السيف.
[5840]:راجع ج 15 ص 248.
[5841]:راجع ج 7 ص 365.
[5842]:راجع ج 2 ص 153