مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰٓ أَعۡيُنَهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلۡحَقِّۖ يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ} (83)

{ وإذا سمعوا مآ أنزل إلى الرّسول تراى أعينهم تفيض من الدّمع ممّا عرفوا من الحقّ } وصفهم برقة القلوب وأنهم يبكون عند استماع القرآن كما روي عن النجاشي أنه قال لجعفر بن أبي طالب حين اجتمع في مجلسه المهاجرون إلى الحبشة والمشركون وهم يقرأونه عليهم : هل في كتابكم ذكر مريم ؟ قال جعفر : فيه سورة تنسب إلى مريم .

فقرأها إلى قوله : { ذلك عيسى ابن مريم } [ طه : 34 ] وقرأ سورة طه إلى قوله : { وهل أتاك حديث موسى } [ الآية : 9 ] فبكى النجاشي وكذلك فعل قومه الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم سبعون رجلاً حين قرأ عليهم سورة «يس » فبكوا . «تفيض من الدمع » تمتلىء من الدمع حتى تفيض لأن الفيض أن يمتلىء الإناء أو غيره حتى يطلع ما فيه من جوانبه ، فوضع الفيض الذي هو من الامتلاء موضع الامتلاء ، أو قصدت المبالغة في وصفهم بالبكاء فجعلت أعينهم كأنها تفيض بأنفسها أي تسيل من أجل البكاء . و«من » في «مما عرفوا » لابتداءالغاية على أن فيض الدمع ابتدأ ونشأ من معرفة الحق وكان من أجله ، «ومن » في «من الحق » لتبيين الموصول الذي هو ما عرفوا ، أو للتبعيض على أنهم عرفوا بعض الحق فأبكاهم فكيف إذا عرفوا كله وقرأوا القرآن وأحاطوا بالسنَة { يقولون } حال من ضمير الفاعل في «عرفوا » { ربّنآ آمنّا } بمحمد صلى الله عليه وسلم والمراد إنشاء الإيمان والدخول فيه { فاكتبنا مع الشّاهدين } مع أمة محمد عليه السلام الذين هم شهداء على سائر الأمم يوم القيامة لتكونوا شهداء على الناس ، وقالوا ذلك لأنهم وجدوا ذكرهم في الإنجيل كذلك .