الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّـٰتٖ وَنَهَرٖ} (54)

قوله تعالى : " إن المتقين في جنات ونهر " لما وصف الكفار وصف المؤمنين أيضا . " ونهر " يعني أنهار الماء والخمر والعسل واللبن ، قاله ابن جريج . ووحد لأنه رأس الآية ، ثم الواحد قد ينبئ عن الجميع . وقيل : في " نهر " في ضياء وسعة ، ومنه النهار لضيائه ، ومنه أنهرت الجرح ، قال الشاعر{[14501]} :

ملكتُ بها كَفّي فَأَنْهَرتُ فَتْقَهَا *** يرى قائمٌ من دونها ما وراءها

وقرأ أبو مجلز وأبو نهيك والأعرج وطلحة بن مصرف وقتادة " ونهر " بضمتين كأنه جمع نهار لا ليل لهم ، كسحاب وسُحُب . قال الفراء : أنشدني بعض العرب :

إن تَكُ ليْلِياً فإني نَهِرُ *** متى أرى الصبح فلا أنتظرُ

أي صاحب النهار . وقال آخر :

لولا الثَّرِيدَان هلكنا بالضُّمُرْ *** ثريدُ ليلٍ وثريدٌ بالنُّهُرْ


[14501]:هو قيس بن الخطيم يصف طعنة. وملكت أي شددت وقويت.