قوله تعالى : { إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ } العامة بالإفراد ، وهو اسم جنس بدليل مقارنته للجمع والهاء مفتوحة كما هو الفصيح .
وسكّنها مجاهدٌ والأعرج وأبو السَّمَّال «والفَيَّاض »{[54223]} . وهي لغة تقدم الكلام عليها أول البقرة .
قال ابن جُرَيْجٍ : معنى ( نهر ) أنهار الماء والخَمْر والعَسَل . ووُحِّدَ ؛ لأنه رأس آية . ثم الواحد قد ينبىء عن الجمع{[54224]} . وقال الضحاك ليس المراد هنا نهر الماء ، وإنما المراد سَعَةُ الأرزاق{[54225]} ؛ لأن المادة تدل على ذلك كقول قَيْس بن الخَطِيمِ :
مَلَكْتُ بِهَا كَفِّي فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا *** يَرَى قَائِمٌ مِنْ دُونها مَا وَرَاءَهَا{[54226]}
أي وسعته . ومنه : أَنْهَرْتُ الجُرْحَ . ومنه : النَّهَار ، لضيائه .
وقرأ أبو نهيك وأبو مجْلَز والأعمش وزهير الفُرْقُبيّ - ونقله القرطبي أيضاً عن طَلْحَة بن مُصَرِّف والأعرج وقتادة - : «ونُهُر » بضم النون والهاء{[54227]} وهي تحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون نهر بالتحريك وهو الأولى نحو : أُسُد في أَسَدٍ .
والثاني : أن يكون جمع الساكن نحو : سُقُف في سَقْفٍ ، ورُهُن في رَهْن . والجمع مناسب للجمع قبله في جَنَّات{[54228]} . وقراءة العامة بإفراده أبلغ ، وقد تقدم كلام ابن عباس في قوله تعالى آخر البقرة { وَمَلائكته وكتابه } [ البقرة : 285 ] بالإِفراد أنه أكثر من الكُتُب ، وتقدم أيضاً تقرير الزمخشري لذلك{[54229]} . قال القرطبي ( رحمةُ الله عليه ) {[54230]} كأَنه جمع نهار لا ليل لهم كسَحَاب وسُحُب{[54231]} . قال الفراء : أنشدني بعض العرب :
إِنْ تَك لَيْلِيًّا فَإِنِّي نَهِرُ *** مَتَى أَرَى الصُّبْحَ فَلاَ أَنْتَظِرُ{[54232]}
لَوْلاَ الثَّرِيدُ إِنْ هَلَكْنَا بِالضُّمُرْ *** ثَرِيدُ لَيْلٍ وَثَرِيدٌ بِالنُّهُرْ{[54233]}
لما وصف الكفار وصف المؤمنين أيضاً ، فقال : { إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ } الجنات : اسم للأشجار أي هم خلالها وكذلك الأنهر ، والمعنى : جنات وعند عيون كقوله :
عَلَفْتُهَا تِبْناً وَمَاءً بَارِداً *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[54234]}
وجمعت الجنات إشارة إلى سَعَتِها وتنوعها ، وأفرد النَّهَر ؛ لأن المعنى في خلاله ، فاستغني عن جمعه ، وجمع في قوله : { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } لئلا يتوهم أنه ليس في الجنة إلاّ نهر فيه . والتنكير فيه للتعظيم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.