تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّـٰتٖ وَنَهَرٖ} (54)

41

المفردات :

ونَهَر : وأنهار ، والمراد به الجنس ، وقرئ بضم النون وسكون الهاء ، مثل : أُسْد وأَسَد .

مقعد صدق : مكان مرضيّ ، أو في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم ، والمراد به أيضا الجنس ، وقرئ : مقاعد : أي : مجالس من الجنات سالمة من اللغو والتأثيم ، بخلاف مجالس الدنيا فإنها قلّ أن تسلم من ذلك .

مليك : صيغة مبالغة ، أي : عزيز الملك واسع السلطان .

مقتدر : قادر لا يعجزه شيء وهو الله تعالى ، والعندية ليست عندية مكان ، وإنما إشارة إلى الرتبة والقرب من فضل الله تعالى .

التفسير :

54-55- { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ } .

في ختام سورة ( القمر ) التي حفلت بحديث متواصل عن هلاك المكذبين ، يأتي في نهايته حديث هادئ ، فيه تكريم المتقين تكريما حسيا ومعنويا ، أما التكريم الحسّي فهو التمتع بالجنات وما فيها من أشجار وثمار ، وحور عين ، وأنهار واسعة متعددة الأشكال والألوان .

قال تعالى : { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ . . . } ( محمد : 15 ) .

أما التكريم المعنوي : فهم في مقعد كريم ، ومجلس فاضل رائق ، لا يتكلم فيه إلا بالصدق والفضل والخير ، مع البعد عن الإثم والكذب ، والزور والخطيئة ، وهذا المقعد الذي يحظى به الصادقون ، عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ . عند رب عظيم ، واسع القدرة ، يكرم عباده المتقين الذين جاهدوا في الدنيا ، وحرصوا على مرضاة الله في دنياهم ، فالله تعالى يقربهم منه ، ويكرمهم عنده ، وهي عندية منزلة وقربى وزلفى ، ومكانة رفيعة .

أخرج أحمد ، ومسلم ، والنسائي ، عن عبد الله بن عمرو يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المقسطون عند الله على منابر من نور ، عن يمين الرحمن ، وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلُّوا " xv