الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنَّ ٱلۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّـٰتٖ وَنَهَرٖ} (54)

قوله : { نَهَرٍ } : العامةُ بالإِفرادِ وهو اسمُ جنسٍ بدليل مقارنتِه للجمع ، والهاء مفتوحةٌ كما هو الفصيح ، وسَكَّنها مجاهد والأعرج وأبو السَّمَّال والفياض وهي لُغَيَّةٌ . وقد تقدَّم الكلامُ عليها أولَ البقرة . وقيل ليس المرادُ هنا نهرَ الماءِ ، وإنما المرادُ به سَعَةُ الأرزاقِ لأنَّ المادةَ تَدُلُّ على ذلك كقول قيس بن الخطيم :

َلَكْتُ بها كَفِّي فَأَنْهَرْتُ فَتْقَها *** يَرى قائمٌ مِنْ دونِها ما وراءَها

أي : وسَّعْتُ . وقرأ أبو نهيك وأبو مجلز والأعمش وزهير الفرقبي " ونُهُر " بضم النونِ والهاءِ ، وهي تحتمل وجهين ، أحدهما : أَنْ يكونَ جمعَ نَهَر بالتحريك وهو الأَوْلى نحو : أُسُد في أَسَد . والثاني : أن يكون جمعَ الساكنِ نحو : سُقُف في سَقْف ورُهُن في رَهْن ، والجمع مناسِبٌ للجمع قبلَه في " جنات " وقراءةُ العامة بإفرادِه أَبْلَغُ وقد تقدَّم كلامُ ابن عباس في قوله تعالى آخر البقرة { وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ } [ البقرة : 285 ] بالإِفرادِ ، وأنه أكثرُ مِنْ " الكتب " . وتقدَّم أيضاً تقديرُ الزمخشري لذلك ، فعليك . . .