لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (40)

حقيقة النعمة على لسان العلماء لذة خالصة عن الشوائب ، وما يوجب مثلها فهي أيضاً عندهم نعمة ، وعند أهل الحقيقة النعمة ما أشهدك المُنْعم أو ما ذكرَّك بالمنعم أو ما أوصلك إلى المنعم أو ما لم يحجبك عن المنعم .

وتنقسم إلى نعمة أَبشار وظواهر ، ونعمة أرواح وسرائر ، فالأولى وجوه الراحات والثانية صنوف المشاهدات والمكاشفات . فمن النعم الباطنة عرفان القلوب ومحاب الأرواح ومشاهدات السرائر .

فصل : ويقال أمَرَ بني إسرائيل بذكر النِّعَم وأمَرَ أَمَّةَ محمد صلى الله عليه وسلم بذكر المُنعِم ، وفرق بين من يقال له :{ اذْكُرْ نعمتي }[ المائدة : 110 ] وبين من يقال له :{ فاذكروني أَذْكُرْكُمْ } [ البقرة : 152 ] .

قوله جلّ ذكره : { وَأَوْفُوا بعهدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وإِيَّاىَ فَارْهَبُونِ } .

عهدهُ - سبحانه - حفظ المعرفة وعهدنا اتصال المغفرة ، عهده حفظ محابه وعهدنا لطف ثوابه ، عهده حضور الباب وعهدنا جزيل المآب .

أوفوا بعهدي بحفظ السر أوفِ بعهدكم بجميل البِر ، أوفوا بعهدي الذي قبلتم يوم الميثاق أوفِ بعهدكم الذي ضمنت لكم يوم التلاق ، أوفوا بعهدي في ألا تؤثروا عليّ غيري أوف بعهدكم في ألا أمنع عنكم لطفي وخيري ، أوفوا بعهدي برعاية ما أثبتُّ فيكم من الودائع أوفِ بعهدكم بما أُديم لكم من شوارق اللوامع وزواهر الطوالع ، أوفوا بعهدي بحفظ أسراري أوف بعهدكم بجميل مَبَارِّي ، أوفوا بعهدي باستدامة عرفاني أوفِ بعهدكم في إدامة إحساني ، أوفوا بعهدي في القيام بخدمتي أوفِ بعهدكم في المِنَّةِ عليكم بقبولها منكم ، أوفوا بعهدي في القيام بحسن المجاهدة والمعاملة أوفِ بعهدكم بدوام المواصلة والمشاهدة ، أوفوا بعهدي بالتبري عن الحوْل والمُنَّة أوف بعهدكم بالإكرام بالطول والمِنَّة ، أوفوا بعهدي بالتفضيل والتوكل أوفِ بعهدكم بالكفاية والتفضل ، أوفوا بعهدي بصدق المحبة أوفِ بعهدكم بكمال القربة ، أوفوا بعهدي اكتفوا مني بي أوفِ بعهدكم أرضي بكم عنكم ، أوفوا بعهدي في دار الغيبة على بساط الخدمة بشدِّ نطاق الطاعة ، وبذل الوسع والاستطاعة أوفِ بعهدكم في دار القربة على بساط الوصلة بإدامة الأُنْس والرؤية وسماع الخطاب وتمام الزلفة ، أوفوا بعهدي في المطالبات بترك الشهوات أوف بعهدكم بكفايتكم تلك المطالبات ، أوفوا بعهدي بأن تقولوا أبداً : ربي ربي أوفِ بعهدكم بأن أقول لكم عبدي عبدي . وإياي فارهبون ، أي أَفْرِدُوني بالخشية لانفرادي بالقدرة على الإيجاد فلا تصح الخشية ممن ليس له ذرة ولا مِنَّة .